د. فاروق عبد الحميد العزب



في خضم الصراعات السياسية الداخلية منها والاقليمية والعالمية، التي تعصف بدولنا وبمستقبلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تعودنا بأن تعطي السلطة التشريعة في ألاردن جل وقتها للنقاش في مواضيع ذات طابع سياسي داخلي أو خارجي، معتبرة ذلك من اهم اولوياتها الوظيفية.
على الرغم من اهمية المواضيع السياسية غير أن هناك امورا حياتية يومية عادية اخرى لا يوليها المشرع الاردني اهتماما خاصا وكافيا ولايتعامل معها كأحد اهم مهامه والتي انتخب من اجلها ويحمل اسمها السلطة التشريعية وان تعودنا تسميتها بالبرلمان، هذا الذي يحتاج بالضرورة وبسرعة الى تطوير قانونه الداخلي وممارسة وظيفة التشريع بدلا من انشغاله في نشاطات جانبية ومناكفات سياسية بحثا عن شعبية زائفة أوحب ظهور اناني لبعض أشخاصه.
تحتاج قواعد التشريع من وقت الى اخر الى أن تصاغ تتبدل وتتغير وتجدد وتتطور في شكل ومضمون قانوني جديد او معدل واضح ضابط ومحدد يتجاوب مع العصر ويتكيف مع ضروريات المجتمع ويحكم وينظم علاقاته ويلبي حاجات افرادة ويحمي الحقوق ويفرض الواجبات وهذة هي اهم وظائف المشرع والتي قلما ينشط بها البرلمان الاردني المنتخب ويوليها اهتماما كافيا أو يعطيها اولوية خاصة.
لايحتاج المرء أن يكون مختصا في علوم القانون والتشريع ليلحظ الفجوات والنواقص والتناقضات التي يعاني منها القانون الاردني ككل في مختلف مواضيعة سواء في القانون المدني او قانون العقوبات.
يفتقر القانون الاردني بشكل عام الى التكيف والتطور والمرونة وتنقصة الحداثة والاستجابة للتغيرات والمستجدات ويبقى قديما جامدا مشدودا لعادات وتقاليد عفى عليها الزمن واختفى منها الى حد كبير شعور الالزام، اى العنصر المادي لبقاء القاعدة القانونية سارية مطبقة، بالاضافة الى غياب قواعد العدل والانصاف واحقاق الحق والضلوع بالمسؤوليات وتحملها وتحديدها بموضوعية ومهنية غير قابلة للشك او الريبة او التأويل. أورد على سبيل المثال لا الحصر القوانين المتعلقة بالسير والحركة على الطرقات، قانون المالكين والمستأجرين, قانون الاستملاك، قانون الصحة العامة، الامور المتعلقة بالمسؤولية الطبية وتقديم الاسعافات، القوانين المتعلقة بمراقبة اعمال التأمين، قانون الاقامة وشؤون الاجانب، القوانين المتعلقة بالبناء، قانون الجمارك,......الخ من القوانين والمراسيم.
لا يعقل مثلا ونحن في القرن الواحد والعشرين، أن يعتبر السائق مذنبا دائما وابدا في اي حادث سير يقع بين مركبة وشخص راجل دونما العودة الى تحديد مقدار المسؤولية من خلال التقيد واحترام نظام السير وقوانينه لكل طرف مشارك في الحادث بما في ذلك الهيئة أو الجهة المسؤولة عن وضع الطرق وصيانتها وسلامتها وعن اشارات المرور المعمول بها دوليا مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية المحيطة بكل حادث على حدة.
ففي الدول المتقدمة كثيرا ماتقع المسؤولية المباشرة في حوادث السير على عاتق المارة او على راكبي الدراجات الهوائية وخاصة من الاطفال ممن لايتقيدون بقانون السير ونظامه، وفي بعض الحالات تقع المسؤولية حتى على مصلحة الطرق والتي من واجباتها الاساسية الحفاظ على ان تكون الطرق صالحة سالكة وآمنة، بمعنى اخر كل المشاركين الاساسيين في عملية السير على الطرقات يتقاسمون المسؤولية بمقدار مايتمتع به كل منهم بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في القانون وبقدر احترامهم لها. يتوجب التذكير هنا بمسؤولية الاهالي المباشرةعن سلامة اطفالهم وحمايتهم عبر تثقيفهم بأخذ الحيطة والحذر ومراعاة وسائل الامن والسلامة خلال العابهم وتحركاتهم على الطرق العامة وتحميل الوالدين مسؤولية مراقبتهم والحفاظ عليهم وعدم القاء اللوم والمسؤولية دائما على السائق.
كما يتوجب التذكير ايضا بمسؤولية الجهة القائمة عن مصلحة الطرق، بأن تكون هذة صالحةآمنة سالكة ومزودة ليس فقط بالاشارات الضوئية في كل الاماكن الهامة والحيوية ولكن ايضا بكافة اشارات السير المعمول بها دوليا، مع تحديد المسارب للسيارات والاماكن المحددة للمشاة، بالاضافة الى تأمين الارصفة وجعلها مؤهلة لسير الراجلين وحماية تحركاتهم في هذة المنطقة الامنة لهم، لا لزراعة الاشجار والورود فيها، كما لايعقل أن يسمح نظام السير بما يعرف باليو تيرن نظرا لما تشكلة هذة المناورة من خطر حقيقي كبير على حياة الناس.
يقوم نظام الملكية الشخصية للاموال المنقولة وغير المنقولة عموما على مبدأ عدم المساس بهذة الملكية وعلى قدسيتها والتي لايجوز التصرف بها لغير مالكها الا ضمن ضوابط قانونية استثنائية محددة وواضحة، غير أنه توجد من ضمن القوانين المعمول بها في ألاردن قانون الاستملاك والذي يجيز للدولة الاستيلاء على ربع مساحة الارض المملوكة لشخص او اشخاص بما يعرف بالربع القانوني بدون تعويض وذلك تحت مسمى المصلحة العامة ) المادة 11 / أ من قانون الاستملاك لعام 1987( والذي هو موضع شك بأن يكون متعارضا مع احكام الدستور الاردني، الذي يعتبر القانون الاسمى ولايجوز لأى من القوانين العادية أن تأتي مخالفة أو معارضة لنصوصه ) مبدأ دستورية القوانين (, حيث ينص الدستور في المادة 11 ) لايستملك ملك أحد الا للمنفعة العامة وفي مقابل تعويض عادل حسبما يعين القانون (, مع التأكيد على جملة ) وفي مقابل تعويض عادل (.
يعقل ان يكون قانون الاستملاك بشكله الحالي في دولة تعتنق المبادئ الاشتراكية في الاقتصاد والسياسة وتطبق نظام التأميم وتعممه على جميع افرادها،
ولكن لايعقل أن يكون هذا القانون في دولة تعتمد نظام الاقتصاد الحر وتحترم الملكية الشخصية ويقوم نظامها الاقتصادي على نظام السوق وقانون العرض والطلب.ان هذا القانون مجحف وتنقصه ابسط قواعد العدل والانصاف ممثلا بالاستيلاء القهري من دون موافقة المالك الشرعي ورضائة كشرط اساسي لنقل الملكية.
يمكن للمشرع الاردني تقنين مايسمى بقانون الاستملاك للمصلحة العامة ولكن للضرورة القصوى وبشرط تعويض كامل للمالك وبغض النظر عن كبر أو صغر مساحة ألارض المستملكة وحتى لو كانت اصغر من الربع القانوني المعمول به حاليا، على أن يكون التعويض مساوي للسعر التجاري الذي تباع فيه الاراضي في المنطقة التي تقع فيها الارض المراد استملاكها من قبل الدولة وللمصلحة العامة، اي شئ غير ذلك يعتبر تعسفا من قبل الدولة وهى بذلك ترتكب ظلما وعدوانا باجبار المالك الشرعي بالتخلي والتبرع قصرا للصالح العام والمنطق هنا يقول بأن الصالح العام يجب أن يمول من المال العام، لا من المال الخاص.
هناك سؤال يطرحه كل ناشط واكاديمي في مجال العلوم القانونية عن مدى أخذ الدول المختلفة في تطبيق مبدأ تدرج القوانين والذي هو بدون شك مبدأ هام واساسي لمنع تعارض القوانين ومنع خلق تعارضات والتباسات واخطاء في تطبيقها وفهم اولوياتها.
فكما أن القانون الدستوري يتبوأ الدرجة العليا من منظومة القوانين تحت مايعرف بمبدأ سمو الدستور، هناك ايضا توجه عام بين فقهاء القانون بأولوية مبادئ القانون الدولي وقواعدة امام القانون الوضعي وضرورة أن تجئ هذة الاخيرة في توافق تام وعدم تعارض مع القواعد القانونية الدولية التي ارتضتها الدول وقبلت بها واعتمادها كأساس في تعاملاتها وتصرفاتها وتطبيقاتها القانونية.
اذا كانت الاردن ترفع شعار الانسان أغلى مانملك، فكان الاولى بالمشرع ألاردني، حتى لايبقى الشعار شعارا، بأن يعنى بصحة المواطن ويحمي حياة الانسان، غير ذلك كيف يعقل بان يرفض مستشفى خاص أو طبيب فيه، اسعاف حالات طارئة مستعجلة من غير دفع مبلغ كتأمين لاجراء الاسعافات الفورية اللازمة والتي يكون فيها لعامل الوقت اهمية كبرى وربما تكون مسألة حياة أو موت.... وكيف يكون الشخص الذي يتبرع بنقل المجروحين في بعض الحوادث موضع اشتباه وبدون ادلة حسية الى حين أن تثبت برائته فى حين أن القاعدة المنطقية في كل القوانين تقول )المتهم برئ حتى تثبت ادانته (، لايعقل أن يعاني المسعف ألامرين جراء شهامته وشجاعته، في حين أن قوانين الدول المتقدمة، تحاسب كل شخص ممن صادفوا حادثة او حالة تحتاج لتقديم المساعدة ولم يقدمها فورا بقدر استطاعته وامكاناته.
كذلك كيف يمكن لشركات التأمين على الصحة رفض التجديد لزبون لديها وتمديد عقد التأمين بمجرد اصابته لاحقا بمرض مزمن أو داء عضال، في حين كانت تتقاضى منه رسوم التأمين وربما لسنوات طويلة عندما كان سليما معافى ؟
مما تقدم وهذا غيض من فيض، اصبح واجبا على المشرع الاردني أن يمارس واجباته وصلاحياته التشريعية من خلال لجنة خاصة لدراسة ومراجعة الواقع القانوني الاردني والعمل بجهد ومثابرة ومهنية عالية لاعادة صياغة وتعديل قواعده، مستعينا باصحاب العلم والمعرفة والتجربة ومستفيدا من تجارب الامم والدول الاخرى لتجديد المنظومة القانونية المعمول بها في الاردن, لتتجاوب وتتناسب مع روح العصر, تحقيقا لمبدأ العدالة والمساواة والانصاف ولتتعامل بموضوعية علمية ومنطق سليم مع كل المواضيع والاشكالات القائمة من خلال وضع قوانين عصرية منطقية حديثة تلبي حاجات المجتمع ككل وتحمي وتحدد حقوق وواجبات افراده.
أستاذ جامعي وقنصل فخري سابق
براغ/ التشيك
الاثنين 2013-09-16