منذ صدور الإرادة الملكية بحل البرلمان وإصدار قانون جديد، تجرى على أساسه الانتخابات المقبلة وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، تعاظمت التوقعات بإنجاز قانون جديد يعيد الاعتبار للمشاركة السياسية، ويؤدي إلى إفراز نخبة سياسية ممثلة وقادرة على حمل المسؤوليات الوطنية المرتبطة بالإصلاح والتحديث، وإعادة الثقة بالحياة السياسية.
التوقعات حول قانون انتخابات جديد يلبي مطالب المعارضين للقانون الحالي هي مرتفعة "أكثر مما يجب"، وقد لا تكون واقعية. وأعتقد أن هذه التوقعات هي في غير محلها، وإذا لم تكن هذه التوقعات أكثر واقعية، فقد تولد خيبة أمل أكبر.
بداية، ليس من المتوقع أن يكون قانون الانتخابات المنتظر مختلفا بشكل جذري عن القانون الحالي، بل الاحتمال الأرجح أن يكون قانونا محسنا مقارنة بالقانون الحالي يبقي على مبدأ الصوت الواحد، وقد يضاف إليه مبدأ الانتخابات بالقائمة، ولكن على مستوى المحافظة، ينتج عنه عدد من المقاعد بنسبة ضئيلة أو رمزية.
كما أنه من غير المتوقع أن يكون القضاء هو الهيئة المشرفة على الانتخابات، لكنه سوف يعطى دورا أكبر من دوره في الانتخابات السابقة، كما أنه من غير المرجح أن يقر القانون هيئة مراقبة وطنية مستقلة، أو السماح بالرقابة على الانتخابات من قبل جهات دولية.
ولكن حتى لو كنت مخطئا في توقعاتي، فإن الانتخابات المقبلة لن تؤدي إلى إفراز برلمان يختلف نوعيا عن البرلمان الحالي لأسباب عديدة:
أولا، من المتوقع أن عددا كبيرا من النواب السابقين سوف يعودون ليرشحوا أنفسهم مرة ثانية، حيث لا يوجد من يعتقد بأنه المقصود بحل البرلمان، ولأن الانتخابات السابقة كانت لعدد كبير منهم تجربته الأولى التي لم تكتمل. وقد تكون لهم ميزة مكتسبة في خوض الانتخابات من جديد. فسيشهد البرلمان المقبل عودة لعدد ليس بسيطا من النواب السابقين من المجلس المنحل.
ثانيا، تمر النخبة السياسية في مرحلة انتقالية من الناحية العمرية والفكرية والسياسية، إذ إن هناك أزمة في "إنتاج" نخبة أو نخب سياسية وخاصة في الفترة الماضية. فلم تعد الأحزاب السياسية منتجة للنخبة، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة أو الدولة بشكل عام، فإنها لم تعد تساهم بإنتاج نخبة أو نخب سياسية، حيث إن غالبية الوزراء في السنوات الماضية هم من غير السياسيين، ولا يشاركون في السياسة بعد خروجهم من الحكومة. في المحصلة النهائية، فإنه لا توجد نخبة سياسية ذات حجم كبير للمشاركة في الانتخابات المقبلة.
ثالثا، إن التجربة الانتخابية في العقدين الماضيين ساهمت في تكوين ثقافة سياسية أو انتخابية سلبية لدى الطامحين في البرلمان عند الناخبين. وسوف يكون من الصعب تغيير هذه الثقافة بقانون انتخاب جديد، حيث لم تعد الانتخابات في السنوات الماضية تنافسا للمشاركة السياسية والدفع باتجاه رؤية معينة للمصلحة العامة والقضايا العامة، بقدر ما كانت تنافسا بين أشخاص أو عائلات لتعزيز مكانتهم أو مكانة عائلاتهم وعشائرهم الاجتماعية والاقتصادية، وليس من المرجح أن يتغير هذا الحال في الفترة البسيطة المقبلة.
رابعا، ولأعداد كبيرة، فقد تحولت الانتخابات البرلمانية إلى مواسم يحاول المواطنون من خلالها تحقيق مكاسب شخصية من خلال دعم مرشح من دون آخر، تتراوح هذه المصالح بالبيع الصريح للأصوات والحصول على المال مقابل ذلك، أو الحصول على مكاسب أخرى كالتوظيف ومقاعد في الجامعات، أو غيرها من المكاسب. وبعبارة أخرى، ولذلك، فإن ثقافة شراء الأصوات والالتفاف على القانون من قبل الطامحين أو بيعها من قبل المواطنين لن تتغير بالسهولة التي نتصورها.
وفي ظل هذه المعطيات، فإنه من الأفضل أن نخفف من سقف التوقعات حول قانون الانتخابات المقبل، وما يمكن أن ينتج عنه على المستوى السياسي، لأن هناك عوامل أخرى كثيرة، باستثناء ما قد يطرأ على القانون من التعديل أو التطوير، قد تؤثر على المخرجات السياسية للعملية الانتخابية. لن يكون بمقدور قانون الانتخابات المنتظر وحده أن يعالجها مهما حصل عليه من تغيير.
المهم هو إجراء الانتخابات بنزاهة تامة بغض النظر عن القانون الجديد حتى نستعيد الثقة بالحياة السياسية والديمقراطية.

الغد