ربما تكون الحكومة الحالية من أكثر الحكومات التي عاصرت الصراع على قانون الانتخاب تحفظا على إحداث تغيير جوهري في النظام الانتخابي، ولكنها اليوم تقف إلى جانب البرلمان أمام فرصة حقيقية لإجراء مراجعة جريئة، وعلينا أن نتذكر في تجارب العديد من الديمقراطيات أن المحافظين طالما كانوا الأكثر جرأة على التغيير.
هذه الفرصة تتبلور بشكل ملائم بعد خطوة الملك بالدعوة الى تعديل القانون استنادا الى حق جلالته الدستوري في حفظ التوازن بين السلطات ومنع تغول سلطة ما وانفرادها، وهو ما حدث طوال سنوات قانون الصوت الواحد، الذي أنجب برلمانات ضعيفة أدت إلى اتساع مساحة السلطة التنفيذية ومراكز قوى أخرى على حساب توازن السلطات.
تدور في هذه الأثناء محاولة لاختطاف التوجيه الملكي بتعديل قانون الانتخاب لضمان مشاركة أوسع من خلال الدعوة الى اقتصار المراجعة على عدد مقاعد القائمة الوطنية فقط ، بدون المساس بمسألة الصوت الواحد التي تشكل الحلقة الحقيقية في مطالب تعديل القانون.
لقد ذهبت الحكومات ومجلس النواب إلى تفريغ كل الصيغ المقترحة للنظام الانتخابي تحت حجج ومبررات لم تناقش بشكل معمق، لا داخل غرف صناعة القرار ولا أمام الرأي العام. وحتى مع افتراض قبول تلك الحجج والمخاوف، كان من الممكن طرح المزيد من الصيغ التي تخرج نسخة محترمة من قانون الانتخاب وتأخذ بعين الاعتبار معظم تلك المبررات، وتخلص البلاد من شبح الصوت الواحد.
أهم تلك المبررات الحقوق المكتسبة للدوائر الانتخابية الصغيرة التي يخشى أن تذهب إلى مراكز المحافظات في حال توسيع الدائرة الانتخابية، والخشية من أن تعدد القوة التصويتية للناخب ستمنح الناخبين فرصة اوسع للمناورة، ما يتيح لقوى بعينها، أي الإسلاميين، الاستفادة من هذه الوضعية والسيطرة على المجلس وتحديدا الوصول إلى المحافظات.
واحدة من الصيغ المقترحة التي تستحق المناقشة السريعة والمعمقة تتلخص بزيادة القوة التصويتية للناخب إلى صوتين، وهو ما يعادل عدد المقاعد في أصغر دائرة انتخابية في المملكة، وصوت للقائمة الوطنية او العامة بمعنى ثلاثة أصوات للناخب، على أن تكون المحافظة هي الدائرة الانتخابية، باستثناء المحافظات الكبيرة التي يمكن أن توزع الى دوائر انتخابية فرعية، مع ضمان الحفاظ على الحقوق المكتسبة للدوائر الصغيرة السابقة، وهي المطابقة لتوزيع الألوية تقريبا، من خلال حساب الفائزين على مستوى الألوية والتصويت على مستوى المحافظة؛ بمعنى أن الدائرة الانتخابية مفتوحة للتصويت أمام الناخبين على مستوى المحافظة، على أن يكون الفائزون على مستوى الدوائر القديمة، ما يحمي الحقوق المكتسبة في المقاعد ويوسع خيارات المشاركة التصويتية؛ وبالتالي التخلص من الصوت الواحد؛ على سبيل المثال في محافظة عجلون التي لها ثلاثة مقاعد للمسلمين اثنان لقصبة عجلون ومقعد للواء كفرنجة، يصبح التصويت على مستوى المحافظة بصوتين لكل ناخب وصوت آخر للقائمة الوطنية، على أن يفوز أعلى مرشح في لواء كفرنجة وأعلى مرشحين في عجلون.
يمكن أن ينسحب ذلك على دمج الحصص ذات الطابع العرقي والثقافي والديني التي لا تليق مع مفهوم الدولة المعاصرة والتطور الاجتماعي للمجتمع الأردني، ولكي يكون النظام الانتخابي أداة للدمج بحيث تدمج مقاعد البدو والشركس والمسيحيين في دائرة المحافظة في التصويت مع الحفاظ على الحق المكتسب في الفوز لكل جماعة.
الخروج من صندوق الصوت الواحد يجب أن يصب في خلق آليات عميقة اجتماعيا للدمج الاجتماعي والتكامل السياسي، ولا يتحقق ذلك بدون تعدد الخيارات وتوسيع قاعدة المشاركة، وقاعدة المناورة وتعليم الناس السياسة.


الغد