الأزمة الناجمة عن إقرار قانون الانتخاب الحالي، ورفض المعارضة له وإعلانها مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، تعبير عن أزمة سياسية تاريخية بين الحكومة والمعارضة، وبخاصة الإسلامية، أعمق بكثير من الخلاف حول مدى ديمقراطية قانون الانتخاب الحالي، وقدرة هذا القانون على إفراز نخبة سياسية من خلال الانتخابات النيابية القادرة على قيادة البلاد إلى بر الأمان في المرحلة المقبلة.
بصرف النظر عن الأسباب التي قد لا يتسع لها المقال هنا، فإنه بات من الواضح أن هناك أزمة ثقة حادة بين أطراف المعادلة الرئيسية؛ فلم تعد المعارضة تثق بأي خطوة تقوم بها الدولة حيال الإصلاح السياسي، وهي دائماً تشكك في نوايا الدولة الإصلاحية، ونادراً ما تعترف بأي إيجابية تقوم بها الدولة. في المقابل، فإن الحكومات المتعاقبة تنظر إلى المعارضة نظرة ريبة وشك في أهدافها ونواياها، وتتهمها بوجود أجندة غير أردنية أو خارجية. إن انعدام الثقة بالآخر يكاد يكون مطلقاً، في أغلب الأحيان؛ كل طرف يعتقد أن الآخر نقيض لا شريك، ويحاول إيجاد حلول تكاد ترقى إلى إلغاء الآخر.
إن عملية الإصلاح السياسي التي انطلقت بشكل قوي بعد الربيع العربي، ولأكثر من عام ونصف العام، لم يتم من خلالها التوصل إلى تفاهمات تضمن الحد الأدنى من الحقوق، بما يتناسب مع حجم الدعم لكل من الحكومة والمعارضة. الحكومة تصر على قانون انتخاب لا يغير من قواعد اللعبة، ولكن يساهم في تجويدها؛ والمعارضة تصر على قانون انتخاب يسمح لها بتغيير قواعد اللعبة مسبقاً، وقبل اختبار قوتها من خلال صناديق الاقتراع. ولذلك، فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في إقناع الناس بوجهة نظرها بأن القانون الذي تمّ إقراره هو قانون ديمقراطي، ويناسب المجتمع الأردني في هذه المرحلة. وفي المقابل، فشلت المعارضة في إقناع الغالبية من الناس بأن مقترح القانون الذي قدمته (50 % قائمة وطنية، و50 % دوائر وفق قانون 1989) هو أكثر ديمقراطية من القانون الذي قدمته الحكومة.
في الواقع، وفي ظل هذه الأجواء، فإن المعركة لا تبدو حول الإصلاح السياسي بقدر ما هي معركة حول المحافظة على المصالح الحالية من قبل النخبة السياسية الحالية، أو تحقيق مصالح أو مكاسب سياسية من قبل المعارضة. وفي كلتا الحالتين، ومن الناحية السياسية، فهذا مشروع للطرفين.
إذن، الأزمة الحقيقية هي أزمة ثقة ومصالح، وجزء كبير من المجتمع المدني لا يجد نفسه طرفاً في هذه المعادلة، ويقف في منطقة وسط بين الطرفين ولم يحسم أمره بعد، ويريد إصلاحاً يقوده إلى مشاركة سياسية فاعلة، وانتخابات حرة ونزيهة، وحكومات قادرة على تحقيق نقلة نوعية في إدارة البلاد؛ اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً.
إن تمترس الحكومة والمعارضة حول مواقفهما الحالية من العملية الإصلاحية، سوف يقود إلى أزمة سياسية مزدوجة للحكومة والمعارضة. إن أزمة الحكومة تتلخص في أنها إذا مضت قدماً في إجراء الانتخابات في ظل أجواء المقاطعة من قبل المعارضة، ولم تستطع أن تؤمن مشاركة شعبية فاعلة، فلن تكون الانتخابات قد اكتسبت مشروعية معنوية. أما أزمة المعارضة، فتتلخص في الاستراتيجية التي سوف تلجأ إليها في حال مضت الحكومة وأجرت الانتخابات على أساس القانون الحالي، فهل ستبقى تعارض؟ البعد الآخر للأزمة يتمثل في إجراء انتخابات نزيهة وبمشاركة شعبية واسعة، لتبقى المعارضة أربع سنوات خارج إطار العملية السياسية.
إن مصلحة الدولة والمجتمع تقتضي أن يشارك الجميع في الانتخابات القادمة، والكل مسؤول عما سيحدث في الأشهر المقبلة.

الغد