قرار محكمة التمييز الاردنية (جزاء) رقم 18/2013 (هيئة عامة) تاريخ 7/2/2013



1. يستفاد من المادة (130) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أنه إذا تبين للمدعي العام أن الفعل لا يؤلف جرماً أو أنه لم يقم دليل على أن المشتكى عليه هو الذي ارتكب الجرم فإنه يقرر في الحالتين منع محاكمة المشتكى عليه وأن عليه أن يرسل إضبارة الدعوى فوراً إلى النائب العام الذي عليه خلال ثلاثة أيام من ورود أوراق الدعوى إلى ديوانه أما أن يصدر قرار بالموافقة على ذلك القرار ويأمر بإطلاق سراح المشتكى عليه إذا كان موقوفاً أو إجراء تحقيقات أخرى في الدعوى فيعيد الدعوى إلى المدعى العام لإكمال النواقص أو بفسخ القرار ويسير بالدعوى وفق المقتضى القانوني. وفي الحالة المعروضة فان ما قام به المدعى عليه ووافق عليه النائب العام ليس وزناً وترجيحاً للبينة إنما تطبيقاً لنص المادة 130 من قانون أصول المحاكمات الجزائية عندما تبين له بأن أفعال المميز ضدهما لا تؤلف جرماً يعاقب عليه القانون. وهذا ما يؤيده الفقه القانوني حيث يرى الدكتور محمود نجيب حسني ((... أن التصرف في التحقيق الابتدائي هو اتخاذ قرار يتضمن للمعلومات والأدلة التي أمكن الحصول عليها أثناءه ، وبياناً للطريق الذي تسلكه الدعوى بعد ذلك ..)) وفي هذا المعنى يقول الدكتور محمد زكي أبو عامر ((... أن القرار الصادر من سلطة التحقيق الابتدائي بالتصرف في التحقيق الابتدائي إنما يعني أن هذه السلطة قدرت بعد التحقيق صلاحية رفع الدعوى إلى القضاء من عدمه لتوفر سبب من الأسباب ..)) وهذا الاتجاه يمثل الاتجاه الغالب في الفقه القانوني. كما أن الاجتهاد القضائي منح سلطة التحقيق (النيابة العامة) صلاحية وزن وتقدير كفاية الأدلة ، حيث جاء في قرار محكمة النقض المصرية رقم (نقض 17-4-1961 مجموعة القواعد القانونية ، الجزء الرابع ، ص 836)) ما يلي (( .. لما كان للغرفة الاتهامية أن تأخذ في سبيل تكوين عقيدتها بقول دون اخر وأن ترجح رأياً فنياً على آخر ، فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك ، ولما كان من المقرر أن غرفة الاتهام لا تحيل الدعوى إلى محكمة الجنايات إلا إذا بينت أن الواقعة جناية ، وأن الدلائل كافية على المتهم وترجحت لديها إدانته ، فإن لها بناء على ذلك أن تمحص واقعة الدعوى والأدلة المطروحة أمامها ثم تصدر أمرها وفقاً لما تراه من كفاية الدلائل أو عدم كفايتها ، ولما كانت غرفة الاتهام قد مارست حقها على هذا الوجه فقد انتفت عنها قالة الخطأ بتجاوز حدود الاختصاص ...)) وقد كررت محكمة النقض المصرية هذا الاتجاه في العديد من القرارات اللاحقة ، كما قضت محكمة التمييز اللبنانية تطبيقاً لذلك في حكمها رقم 25 تاريخ 1969 ، موسوعة سمير عالية ، ص 208 بما يلي ((...أمر تقدير الأدلة والقرائن الناتجة عن التحقيقات يعود إلى الهيئة الاتهامية دون أن يكون للمحكمة أي رقابة بهذا الشأن ..)) وفي حكم آخر قضت بأن ((.. من حق التحقيق تقدير الأدلة القائمة وكفايتها للظن ..)) وكذلك قضت محكمة التمييز السورية بقولها ((.. أن كلا من قاضي التحقيق وقاضي الإحالة يملك حق تقدير الوقائع وإعطائها الوصف القانوني اللائق بها كما يملك منع المحاكمة عند فقدان الدليل أو عدم كفايته وليس ممنوعاً إلا من البحث عن الأسباب المخففة التقديرية فهي وحدها من حق محاكم الأساس لأنها من عمل قاضي الحكم ... انظر في ذلك قرار رقم 680 تاريخ 21/10/1969 ، مجلة المحامون ، دمشق ، العدد 7-12 ، 21971 ص 244 ...)). وفي هذا الاتجاه قضت محكمة النقض الفرنسية بقولها ((.. إن من واجب الهيئة الاتهامية ألا تكتفي بالتحقيق عما إذا كان الفعل المعزو للفاعل هو جرم أم لا ، بل عليها أيضاً أن تبحث فيما إذا كان يوجد ضد الفاعل قرائن كافية تثبت جريمته ..)) ولم تخرج محكمة التمييز الأردنية بصفتها الجزائية في العديد من أحكامها عن هذا الاتجاه انظر في ذلك (( .. قرار تمييز جزاء رقم 11/68 والقرارات التمييزية الجزائية 796/2011 تاريخ 7/6/2011 و 1795/2009 تاريخ 2/1/2010 و1631/2009 تاريخ 17/1/2010 و332/2009 تاريخ 6/4/2009 و1563/2006 تاريخ 6/3/2007 .. )). وباستعراض ما تقدم من آراء فقهاً واجتهاداً ، وما تراه محكمة التمييز على الحالة المعروضة فإن المدعي العام ومن بعده النائب العام لم يتجاوزا الصلاحيات الممنوحة لهما بموجب نص المادة 130 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وأن البحث في توفر أركان الجريمة بما فيها القصد الجرمي من عدمه لغايات التحقيق في طور التحقيق لا يعتبر وزناً للبينة إنما تبيان فيما إذا كان هناك قصد خاص يتمثل بنية التملك أو أن المشتكى عليه جرّ له مغنماً شخصياً جراء استثمار الوظيفة حتى تتوصل النيابة لدليل اتهام ، وبدون بحث ذلك لا يستطيع أن تصدر قراراً بالاتهام ، وحيث لم يقم الدليل على ارتكاب المميز ضدهما جرم استثمار الوظيفة بالمعنى الوارد بالمادة (175) من قانون العقوبات وأنه كان ذلك يشكل مخالفة للأنظمة والتعليمات فإن القرار المطعون فيه يغدو واقعاً في محله. وحيث انه من تدقيق البينات المقدمة في الملف أنه لا يوجد أي دليل قانوني يدين المميز ضدهما بما أسند إليهما لذلك فإن موافقة النائب العام على القرار الصادر عن المدعي العام بمنع محاكمة المميز ضدهما منسجماً وحكم المادة (130) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وضمن الصلاحيات المخولة له.