قريبا، سيناقش مجلس النواب مشروع قانون الانتخاب الذي أحالته الحكومة لمجلس الأمة، بالإضافة إلى التوصيات التي أقرتها اللجنة القانونية النيابية بخصوص مواد المشروع. اللجنة قاربت على الانتهاء من عملها المضني؛ إذ التقت وحاورت واستمعت إلى آراء عدد واسع من ممثلي القوى السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني وفعاليات شعبية. وسترفع اللجنة توصياتها إلى المجلس، مع توقعات بأن تكون الاقتراحات التي ستقدمها اللجنة جيدة فيما يتعلق بالصوت الواحد والقائمة الوطنية.
وهنا، يجب التحذير من أن مجلس النواب، للأسف، لا يأخذ بالتوصيات والاقتراحات التي تقدمها لجانه بشأن مشاريع القوانين الإصلاحية، ويأخذ منحى آخر. وهناك سابقة متمثلة في قانون الأحزاب السياسية، إذ "نسف" المجلس غالبية توصيات اللجنة، وأقر مواد في القانون، رفضتها الأحزاب، واعتبرتها مؤشرا على عدم جدية المجلس في تحقيق الإصلاح السياسي، وصنفت المجلس كـ"خصم" يرفض الإصلاح السياسي، ويتمسك برؤيته المستندة إلى مصالح أعضائه الخاصة.
وفيما يتعلق بقانون الانتخاب، فإن الأمور يجب أن تكون مختلفة. فالمجلس مطالب بأن يحترم التوصيات التي ستخرج عن لجنته القانونية. فهذه اللجنة اجتمعت والتقت وحاورت وسمعت الكثير حول مشروع القانون، وستقدم، حسبما ما هو متوقع، اقتراحات من صلب ما استمعت له، واقتنعت به. فهي سمعت، ووجدت أن غالبية الأحزاب وممثلي القوى الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني، وإعلاميين وأكاديميين، وممثلين عن البوادي والمخيمات، يرفضون الصوت الواحد، وطالبوا بدفنه، وعدم التعاطي معه بالمطلق. ولذلك، فإن اللجنة، كما هو متوقع، ستقدم اقتراحات تنسف الصوت الواحد، وقد تمنح المرشح صوتين، أو ثلاثة أصوات، وذلك مرتبط بإقرارها للقائمة الوطنية التي سمعت أيضا مطالبات كثيرة بإقرارها.
ما سمعناه، وقرأناه مؤخرا، عن أن هناك مسعى نيابيا برفض القائمة الوطنية، هو أمر إن تم إقراره في مجلس النواب، سيضعف عملية الإصلاح برمتها. إذ كيف نتحدث عن حكومات برلمانية بدون قائمة وطنية؟ وكيف سنحقق الحكومات البرلمانية في ظل منح المرشح صوتين، أحدهما لمرشحه في دائرته الانتخابية، والثاني لمرشح المحافظة؟ إقرار القائمة الوطنية، وبمقاعد مناسبة، مؤشر حقيقي على الرغبة في الإصلاح، وفي تعزيز الديمقراطية.
تعامل مجلس النواب مع قانون الانتخاب على نحو تعامله مع قانون الأحزاب، سيضعنا جميعا في عنق الزجاجة، وسيزيد من قناعة الحراكات الشعبية والشبابية والقوى المعارضة بأن مجلس النواب والحكومة لا يريدان الإصلاح، وأن هناك مماطلة هدفها كسب الوقت، لصالح القوى المحافظة والشد العكسي.
يوما بعد يوم، يزداد ضغط الشارع لإقرار قانون انتخاب جيد. فالاعتصامات والمسيرات الشعبية في العديد من المحافظات، تطالب بقانون انتخاب ديمقراطي يحقق الإصلاح السياسي حقيقة وفعلا. ولذلك، على مجلس النواب الإصغاء جيدا لما تريده القوى السياسية بمختلف ألوانها السياسية والفكرية. وعليه، أيضا، أن يراعي التوصيات التي ستقدمها اللجنة القانونية، وأن يطورها باتجاه تعزيز الإصلاح، وليس في اتجاه الإجهاز عليه.
لن يساهم مجلس النواب في الإصلاح، ولن ينقش اسمه في التاريخ، إذا لم يقر قانون انتخاب ديمقراطيا، يتضمن إلغاء الصوت الواحد بشكل صريح. المرحلة حساسة، وتتطلب أن يتنبه الجميع إلى حساسيتها، ولا يجوز فيها التجريب. هناك ضرورة قصوى لقانون انتخاب ديمقراطي، وعلى مجلس النواب إقرار مثل هذا القانون. فهل يفعلها؟
هناك من يجزم بأن المجلس لن يفعل مثل هذه الخطوة المهمة، وسيقر قانونا لن يحظى بتأييد قطاع سياسي وشعبي ومدني واسع. ولكن قد تتغير الصورة.. لعل وعسى!

الغد