المبحث الثاني
أساس نظرية المسؤولية عن فعل الشيء في الفقه الإسلامي
إن الباحث في الفقه الإسلامي سيجد أن النظرية الأساس التي ترتكز عليها أحكام ضمان العدوان (المسؤولية التقصيرية في الإصلاح القانوني المعاصر)، إنما هي نظرية المباشرة والتسبب، وبالتالي فإنه يتوجب على الباحث في الأساس القانوني لنظرية المسؤولية عن فعل الشيء، بل وفي الأساس القانوني لضمان العدوان في الفقه الإسلامي أن ينطلق من المباشرة والتسبب .
وتعني المباشرة : "إيجاد علة التلف، أي أنه ينسب إليه التلف في العرف والعادة كالقتل والإحراق، وبعبارة أخرى : المباشرة : أن يتصل فعل الإنسان بغيره ويحدث منه التلف كما لو جرح إنسان غيره أو ضربة فمات"(14)، وعرفته المادة (887) من مجلة الأحكام العدلية بأنه : "إتلاف الشيء بالذات". "وعلى ذلك فالمباشرة تعني : "ترتب الضرر عن الفعل دون واسطة بينهما وسواء كان ذلك على وجه التعمد أو الغفلة"(15)، أما التسبب فهو : "ما يحصل الهلاك عنده بعلّة أخرى، إذا كان السبب هو المقتضي لوقوع الفعل بتلك العلّة"(16)، وعرّفته المجلة في المادة (888) بأنه : "أن يحدث في شيء ما يفضي عادة إلى تلف شيء آخر". فالتسبب إذن هو فعل يؤدي إلى الضرر مع تدخل واسطة بين الفعل والضرر، وبذلك يبدو واضحاً أن التركيز في نظرية المباشرة والتسبب إنما ينصب على الرابطة السببية بين الفعل الضار وبين الضرر المتحصل، بمعنى أنه إذا كان الفعل يفضي مباشرة إلى الضرر دون واسطة تتوسط بينهما فنحن أمام المباشرة، وإن كان هناك واسطة تتدخل بينهما فنحن أمام التسبب، إذ يبدو واضحاً أنه في المباشرة تكون الرابطة السببية واضحة للعيان فيما بين الفعل الضار والنتيجة بحيث أننا لا نكون بحاجة إلى إثبات، وذلك كأن يقوم شخص بطعن شخص آخر يخنجر أو أن يقطع شجرة له، في حين أن هذه الرابطة تكون غير واضحة في حالة التسبب بحيث أن إثباتها يحتاج إلى إعمال فكر وتدبر، وذلك لتدخل واسطة بين الفعل الضار وبين الضرر الحاصل، كأن يقوم شخص بحفر بئر فيقع فيه شخص آخر فيتضرر، إذ أن هناك واسطة تخللت بين واقعة حفر البئر وبين تضرر الشخص الذي وقع في البئر، وهي عملية إلقاء هذا الشخص في البئر – ومن هنا فإن عملية ربط حفر البئر بواقعة وقوع الشخص المتضرر فيه – تحتاج إلى إثبات لاحتمال أن يكون هناك فعل ما قطع الرابطة السببية بين واقعة حفر البئر (التسبب) وبين واقعة وقوع المتضرر في البئر وحصول الضرر تبعاً لذلك، ومن هنا وضع فقهاء الحنفيّة لا سيما المتقدمين منهم قاعدة فقهية رئيسة، ألا وهي : "المباشر ضامن وإن لم يتعمد والمتسبب لا يضمن إلا بالتعمد أو التعدي"(17)، وهذه القاعدة انتقلت إلى مجلة الأحكام العدلية بنفس الصيغة، فقد جاء في المادة (92) منها أن "المباشر ضامن وإن لم يتعمد، أما في المادة (93) فقد جاء أن "المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد". وقد انتقلت هذه القاعدة إلى القانون المدني الأردني أيضاً الذي وبعد أن نص في المادة (257/1) وجرياً وراء ما استقر عليه الفقه الإسلامي من أنه "يكون الإضرار بالمباشرة أو التسبب" فإنه في الفقرة الثانية من هذه المادة نصّ على أنه : "فإن كان بالمباشرة لزم الضمان ولا شرط له، وإذا وقع بالتسبب فيشترط التعدي أو التعمد أو أن يكون مفضياً إلى الضرر" وقد فسرت المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني هذا الحكم بقولها : "وكلمتا "التعمد" و "التعدي" ليستا مترادفتين إذ المراد بالتعمد، تعمد الضرر لا تعمد الفعل، والمراد بالتعدي ألا يكون للفاعل حق في إجراء الفعل الذي حصل منه الضرر، والشخص قد يتعمد الفعل ولا يقصد به الضرر ولكن يقع الضرر نتيجة غير مقصودة، فإذا كان الإضرار (كالإتلاف) بالمباشرة لم يشترط التعمد ولا التعدي، وإذا كان بالتسبب اشترط التعمد أو التعدي"(18).
كما جاء فيها أيضاً: "ومرجع التفرقة في الحكم بين المباشرة والتسبب، أن المباشرة علة مستقلة، وسبب للإضرار بذاته فلا يجوز إسقاط حكمها بداعي عدم التعمد أو عدم التعدي، أما التسبب فليس بالعلة المستقلة فلزم أن يقترن العمل فيه بصفة التعمد أو التعدي ليكون موجباَ للضمان"(19).
ومؤدى هذه القاعدة إذن أن المباشر يضمن نتيجة فعله الضار في كل حال أي حتى لو لم يثبت صدور أي تعد أو تعمد منه في حين أن المتسبب لا يسأل إلا في حالة ثبوت تعمده أو تعديه، ولكن التطبيقات العملية في الفقه الحنفي لا تأخذ بهذا التفسير الصارم لها ، فقد أفتوا مثلاً في مسألة ضرب الدابة المستأجرة، "إن للمستأجر أن يضربها الضرب المعتاد في الوضع المعتاد إذا استند الضرب إلى سبب يبيحه وتقيد بالمتعارف، وبالتالي فلا يضمن الضرر الناتج عن ذلك(20)، ماذا يعني ذلك؟ أنه يعني أن المباشر لا يضمن إذا لم يتعمد أو يتعدّ، وهذا خرق للقاعدة الصارمة، التي تضمّنه في كل حال، وكذلك فقد أفتوا "أن راكب الدابة لا يضمن إن أصابت بيدها أو رجلها غباراً أو حجراً صغيراً، ففقأت عين إنسان أو أفسدته ثوبه"(21). وهو ما يعني أيضاً أن راكب الدابة (وهو مباشر لأن الدابة بالنسبة إليه كالآلة ففعلها ينسب إليه) لا يسأل لانتفاء تعديه في هذه الحالة إذ أن له أن يلاحظ الحجر الصغير أو الغبار فيجنب دابته ذلك؟ كما أن نظرية المباشرة بصورتها الصارمة التي ذكرناها قد يؤدي تطبيقها الحرفي إلى نتائج غير عادلة، ذلك أنه قد يفهم الباحث منها أن المباشر يسأل حتى لو كان الفعل الذي يترتب عليه الضر كان فعلاً مشروعا أتاه المباشر، ولكن في الحقيقة فإن التطبيقات الفقهية غير ذلك، فمثلاً أفتى الفقهاء بأنه لا مسؤولية على المباشر في حالة الدفاع المشروع، فمن "شهر على رجل سلاحاً ليلاً ونهاراً أو شرع عصا ليلاً في مصر أو نهاراً في طريق غير مصر، فقتله المشهور عليه عمداً فلا شيء عليه"(22). كما أن مجلة الأحكام العدلية، وبعد أن نصت على القاعدة بصيغتها الصارمة كما ذكرنا، تضمنت في نصوصها كثيراً من الحالات التي تربط مسؤولية المباشربالتعدي فمثلاً: نصت المادة (918) من المجلة على أنه : "إذا هدم أحد عقار غيره كالحانوت والدار بغير حق فصاحبه بالخيار إن شاء ترك انقاضه للهادم وضمنه قيمته مبينا وإن شاء حطّ من قيمته مبنياً قيمة الأنقاض وضمنه القيمة الباقية، وأخذ هو الأنقاض"، حيث يتضح من هذه المادة أن مسؤوليته منوطة بالتعدي "بغير حق" وعلى ذلك فإذا هدمه بحق لا يضمن، وكذلك في المادة (919) من المجلة بأنه "لو هدم أحد داراً بلا إذن صاحبها بسبب وقوع حريق في الحي وانقطع هناك الحريق، فإن كان قد هدمها بأمر ولي الأمر لا يلزم الضمان، وإن كان قد هدمها بنفسه يلزم الضمان"، حيث يجد الباحث من خلال هذه المادة أيضاً تعليق مسؤولية المباشر على التعدي (مباشر الهدم دون إذن شرعي) وفي المادة (920) منها، "لو قطع أحد أشجاراً في روضة غيره، بغير حق فصاحبها مخير إن شاء أخذ قيمة الأشجار قائمة وترك الأشجار المقطوعة للقاطع، وإن شاء حط من قيمتها قائمة قيمتها مقطوعة وأخذ المبلغ الباقي و الأشجار المقطوعة" إذ هنا أيضاً تعليق مسؤولية المباشر (قاطع الأشجار) على التعدي "أي أن يكون فعله بغير حق"، وكذلك في المادة (923) (إذا جفلت الدابة من صوت البندقية التي رماها الصياد بقصد الصيد فوقعت وتلفت أو انكسر أحد أعضائها لا يلزم الضمان، أو إذا رمى البندقية بقصد إجفالها يضمن "حيث نلاحظ هنا أن المجلة كانت وضاحة في أنه لا مسؤولية على مباشر إطلاق النار إذا كان غير متعمد في حين أنه يسأل إذا كان يقصد من إطلاق النار إجفال الدابة، وغير ذلك من التطبيقات والأمثلة، والتي تدل على أن الفقهاء قد علقوا مسؤولية المباشر على التعمد أو التعدي، بل إن المشرع الأردني نفسه وبعد أن نص على القاعدة بصيغتها الصارمة "المباشر ضامن ولا شرط له . فإنه قد عاد وأورد نصوصا تفيد إطلاق هذه القاعدة والتي يجب أن تفسر حسب القاعدة " حمل المطلق على المقيد" والمقررة في علم أصول الفقه الإسلامي(23) وذلك كالمادة (61) مدني أردني "الجواز الشرعي ينافي الضمان فمن استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر" وكذلك المادة (292) والتي جاء فيها:" استعمال الحق العام مقيد بسلامة الغير فمن استعمل حقه العام وأضر بالغير ضرراً يمكن التحرز منه كان ضامناً" وقد جاء في المذكرات الإيضاحية للقانون المدني تعليقاً على هذا النص "لكل أحد حق المرور في الطريق العام مع حيوانه، بناءاً عليه لا يضمن المار راكباً على حيوانه في الطريق العام الضرر والخسارة اللذين لا يمكن التحرز عنهما، فمثلاً لو انتشر من رجل الدابة غبار أو طين ولوث ثياب الآخر أو رفست برجلها المؤخرة ولطمت بذيلها واضرت لا يلزم الضمان ولكن يضمن الراكب الضرر والخسارة الذي وقع في مصادمتها، أو لطمت بيدها أو رأسها لإمكان التحرز من ذلك"(24)، كما أن المشرع الأردني وفي المادة (261) مدني أردني قد أورد حكماً مفاده عدم مسؤولية المباشر أو المتسبب في حالة ما إذا قطعت الرابطة السببيّة بين فعل المباشر (أو فعل المتسبب) وبين الضرر الحاصل، كما أن المادة (262) مدني أردني قد نفت مسؤولية مرتكب الفعل الضار (مباشراً كان أو متسبباً) فيما إذا كان في حالة دفاع شرعي، كما أنه وبمقتضى المادة (263) مدني أردني تنتفي مسؤولية مرتكب الفعل الضار في حالة ما إذا كان موظفاً عاماً أقدم على فعله الضار تنفيذاً لأمر صدر إليه من رئيسه متى كانت إطاعة هذا الأمر واجبة عليه، أو كان يعتقد أنها واجبة وأقام الدليل على اعتقاده بمشروعية العمل الذي وقع منه وكان اعتقاده مبنياً على أسباب معقولة وأنه راعى في عمله جانب الحيطة والحذر. مكاذا نفهم من كل ذلك؟ نفهم أنه يمكن استخلاص قاعدة مقيدة لإطلاق القاعدة الرئيسة في ضمان المباشر مطلقاً، مؤداها أن المباشر لا يضمن إلاّ في حالة التعدي.
أما اشتراط المجلة العدلية بأن المتسبّب لا يضمن إلا بالتعمد والذي هو فعل الشيء بقصد الضرر"فهو خلاف ما يدل عليه واجب العناية بحقوق الغير في الشريعة، كما أنه يناقض الحكم بالضمان في كثير من الفروع الفقهية التي ذكرها علماء المذهب الحنفي أنفسهم، كما في ضمان الحداد الموقد للنار في ملكه..........وهناك احتمالان في تفسير سبب الوقوع في هذا الخطأ: أولهما متابعة خطأ كتابي وقع في الكتب السابقة كأشباه ابن نجيم التي وردت فيها القاعدة نفسها بلفظ (المباشر ضامن وإن لم يتعمد والمتسبب لا، إلا إذا كان متعمداً) ومع ذلك فقد تعاقب شراح المجلة على ترديد الخطأ نفسه، دون تقدير منهم لآثاره على مفهوم الضمان وتناقضه مع ما أوردوه من فروع، والثاني متابعة خطأ وقع فيه بعض المتقدمين في تفسير مذهب الإمام أبي حنيفة في تضمين المتسبب خاصة وأن إمام المذهب لا يرى تضمين المتسبب إلا في تلك الأحوال التي يبلغ فيها الخطأ من الجسامة مبلغاً يقربه من العمد، وسواء وقع هذا الخطأ مجاراة لخطأ كتابي أو علمي فإن هذه القاعدة تجب قراءتها على أن المتسبب لا يضمن إلا إذا كان متعدياً، طبقاً لما ورد في مجمع الضمانات"(25). على أن المشرع الأردني – وقد ذكرنا صياغة القاعدة فيه – لم يجار المجلة في هذا الخطأ وذلك باشتراطه التعدي أو التعمد ليصار إلى مساءلة المتسبب، وليس التعمد وحده .
خلاصة الأمر أن شرط المسؤولية في المباشرة والتسبب كليهما هو التعدي، غير أن الفقه الإسلامي قد صاغ قاعدة متفرّعة عن قاعدته الرئيسة في ضمان المباشر دون اشتراط التعدي وهي القاعدة التي تناقضها تطبيقاتهم العملية كما ذكرنا. أقول إن هذا الفقه صاغ قاعدة فرعية مفادها أنه : "إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم على المباشر" فهل معنى ذلك أن ما توصلنا إليه من استلزام التعدي في تقرير المسؤولية، يتوقف العمل به في حالة اجتماع المباشر والمتسبب، لنقرر مسؤولية المباشر وحده حتى لو كان غير متعد، والمتسبب هو المتعدي.
ولقد تسربت هذه القاعدة أيضاً إلى مجلة الأحكام العدلية والتي نصت في المادة (925) على أنه "إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر" ثم إلى القانون المدني الأردني وبالتحديد في المادة (258) التي نصت على أنه "إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر" وحقيقة الأمر أن تطبيق هذه القاعدة بصرامة لدى بعض الحنفية قد أدى إلى نتائج غير عادلة حيناً وغير منطقية حيناً آخر، "فقد أفتوا مثلاً بأنه إذا قام شخص بفتح ظرف فيه سمن جامد، ثم انصهر بعد وقت بفعل حرارة الشمس، فإنه لا يضمن لأنه برأيهم متسبب في حين أن المباشرة إلى الحرارة، وكذلك لو فتح شخص قفصاً فيه طائر، ثم بعد هنيهة طار الطائر فإنه لا يضمن، لأنه وإن كان متسبباً بفتح القفص، لكن المباشرة هنا هي لقيام الطائر بالطيران، وكذلك الأمر في حالة من حال رباط دابة غيره أو فتح باب اصطبلها فإنه لا يضمن لنفس السبب"(26)، غير أن أصحاب المذاهب الأخرى على غير هذا الرأي، ولذلك فقد افتنوا بمسؤولية فاتح الظرف، أو فاتح القفص أو من حل رباط دابة، أو فتح اصطبلها، باعتبار أنه متعد بالرغم من أنه المتسبب وليس المباشر(27)، ومن هنا ذهب هؤلاء إلى تضمين المتسبب وحده حتى مع اجتماعه بالمباشر، إذا كان المتسبب متعدياً، وتعذر تضمين المباشر لكونه غير مسؤول، أو غير موجود أو غير معروف، وذلك لكما لو دفع إنسان رجلاً على آخر فعطب الآخر، كان الضمان على الدافع (بالرغم من أنه المتسبب حسب الصياغة الفقهية) دون المباشر. وذلك لأن المدفوع كالآلة في الضمان أي أنه لا يمكن نسبة التعدّي إليه، كما قد يضمن المتسبب والمباشر معاً في بعض الحالات كما لو نخس شخص الدابة بأمر راكبها، هذا مع أن الراكب متسبب هنا والناخس مباشر(28). حيث يفهم من ذلك كله أن العبرة في ترتيب المسؤولية في حالة اجتماع المباشر والمتسبب في إحداث الضرر هي في ثبوت التعدي فمن ثبت تعديه كان مسؤولاً، فأما إن تعدّى الاثنان ضمناً معاً، أما إذا كان فعل المباشرة بحيث يقطع الرابطة السببية تماما ًبين المتسبب وبين الضرر فيكون المباشر ضامن وحده، وعلى هذا الأساس يتوجب فهم المادة (258) مدني أردني بهذا الصدد، فقد جاء في المذكرة الإيضاحية الأردنية تعزيزاً لهذا الرأي.
"إذا اجتمع المباشر أي عامل الشيء وفاعله بالذات مع المتسبب، وهو الفاعل للسبب المفضي لوقوع ذلك الشيء، ولم يكن السبب مما يؤدي إلى النتيجة السيئة، إذا هو لم يتبع بفعل فاعل آخر، يضاف الحكم الذي يترتب على الفعل إلى الفاعل المباشر دون المتسبب، وبعبارة مختصرة، يقدم المباشر في الضمان على المتسبب، والمباشر هو الذي يحصل التلف عن فعله دون أن يتخلل بينه وبين التلف فعل فاعل آخر، أما إذا كان السبب مما يفضي مباشرة إلى التلف فيرتب الحكم إلى المتسبب"(29).
وقد ضربت المذكرة الإيضاحية الأردنية أمثلة على ذلك ففي ضمان المباشر وحده جاء فيها : "لو حفر رجل بئراً في الطريق فألقى أحد الأشخاص حيوان في تلك البئر، ضمن الذي ألقى الحيوان ولا شيء على حافر البئر"(30)، وفي ضمان المتسبب وحده جاء فيها أنه "لو شق شخص زقاً مملوءاً زيتاً........ فتلف الزيت الذي فيه، فيرتب الضمان عليه وإن لم يخرج عن كونه متسبباً"(31).
وخلاصة الأمر إذن أن الفقه الإسلامي في التطبيق العملي يسمح لنا باستخلاص قاعدة مؤداها شرط الضمان في المباشرة أو التسبب هو التعدي وأنّه حيث لا تعد لا تترتب المسؤولية بصرف النظر عن المباشرة أو التسبب، وهذا ما خلص إليه المشرع العراقي بنصه في المادة (981) منه، على أنه :
1. إذا أتلف أحد مال غيره أو أنقص قيمته مباشرة أو تسبباً يكون ضامناً إذا كان في إحداثه هذا الضرر قد تعمد أو تعدى.
2. وإذا اجتمع المباشر والمتسبب ضمن المتعمد أو المتعدي منهما، فلو ضمناً كان متكافلين في الضمان.
ولذا فإنني وبناء على التحليل المتقدم، أؤيد من خلص إلى أن هذه القاعدة (أي قاعدة اشتراط التعدي في ترتيب المسؤولية عن الفعل الضار، وسواءً أكان مرتكب الفعل الضار مباشراً أو متسبباً)، هي القاعدة السائدة في الفقه الإسلامي في التطبيق العملي بالرغم من الصياغات الفقهيتة التي لا تتطابق معها ولا سيما تلك الصيغة التي تضمّن المباشر حتى لو لم يتعدّ أو تلك الصيغة التي تحمله المسؤولية وحده بصرف النظر عن تعمده أو تعديه في حالة اجتماعه مع المتسبب(32). كما أن هذه القاعدة هي التي يجب الأخذ بها في القانون المدني الأردني بالرغم من ظاهر نص المادتين (257) و (258 منه، وذلك أخذاً بقاعدة حمل المطلق على المقيد والتي أشرنا إليها آنفاً.
http://www.alexalaw.com