عمان- «القدس العربي»: الغضب الذي تظهره النخب الحقوقية والمدنية في الأردن على مجلس النواب بعدما أصر على عدم رفع سن المسؤولية الجزائية في محاكمات «الأطفال» له ما يبرره من حيث المبادئ الحقوقية ليس فقط لإنه ينطوي على «تفريط» في حقوق الطفل خلافا لكل القوانين الدولية فقط كما يقول الناشط الحقوقي فادي القاضي ولكن أيضا لأنه ينطوي على «تعسف» غير مبرر وفي غير مكانه من ممثلي الشعب ضد إحترام الأطفال والمجتمع الصحي.
جبهات حقوق الإنسان والأطفال في الأردن منزعجة هذه الأيام لأن المجلس النيابي رفض توجها حكوميا لتقدير إحترام الأطفال في المحاكمات الجزائية.
وكانت الحكومة قد تقدمت مؤخرا بمشروع قانون جديد للأحداث، ترفع بموجبه سن المسؤولية الجزائية للأحداث من 7 سنوات إلى 12 سنة لكن المجلس رفض المشروع وقرر ابقاء السن عند 7 سنوات، ما أثار غضب الكثير من النواب والحقــــوقين والمواطنـــين ايضا، كونه يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل والشريعة الإسلامية.
اللافت في المشهد أن رئيس مجلس النواب عاطف طراونة لم يعجبه تصويت زملائه على هذا التشريع مشيرا إلى أن رفع سن المسؤولية الجزائية للأطفال في المحاكمات كان خطوة لتطوير وعي وقيم الأسرة وإصلاح الأطفال في بيئة الإنحراف.
الخبير والمستشار في مجال حقوق الإنسان فادي القاضي أشار إلى ان قرار المشرع الاردني فيما يتعلق بسن المسؤولية الجزائية للحدث في سن 7 سنوات هو قرار تعسفي في غير مكانه ويتجه نحو التفريط بحقوق الطفل ولا بد ان يلتزم الاردن بجوهر اتفاقية حماية حقوق الطفل.
وفقا للقاضي الاردن اعــــترف بالإتفاقيــــة الدولية لحماية حقوق الطفل ويعرف الطفل بأنه «من أتم الثامنة من عمره» وذهـــب الفـــقه القـــانوني الدولي إلى رفع سن المسؤولية الجزائية إلى الثامنــة عشرة، كون الحد الادنى للسن يسبب مشقة كبيرة للأطفال وذويهم .
وأشار إلى ان القرار الذي اقرته الحكومة بالإكتفاء بالرفع لسن 12 عاما يعكس قراءة غير واضحة للمعايير الدولية المتعلقة بما يسمى بتحقيق المصلحة الفضلى للطفل ويسبب وضع علامات استفهام حول جدية الاردن كدولة في ترسيخ مفاهيم حقوق الطفل.
وبين أن الطفل في سن 7 سنوات لا يعتبر عنصرا في عمل اجرامي بسبب الاعتبارات المتعلقة بالطفل وظروفه النفسية والجسدية وعدم قدرته العقلية على تمييز الأمور والتصرف بعقلانية.
المركز الوطني لحقوق الإنسان قال إن إقرار مجلس النواب بعض مواد مشروع قانون الأحداث بالصورة التي تمت لا يتماشى مع التوجه العالمي الذي يحرص على مراعاة المصلحة الفضلى للطفل أو الحدث وعدم تشديد العقوبات على هؤلاء الذين عادة ما يكونون ضحايا استغلال من قبل البالغين.
وأضاف المركز أن ما جاء في مناقشات مجلس النواب حول مشروع قانون الاحداث كان مفاجأة، خاصة ما تعلق منها بتخفيض سن المساءلة الجزائية إلى سن 7 سنوات بدلا من اعتماد ما جاء بمشروع القانون الذي رفع سن المساءلة للحدث حتى 12 سنة.
ولفت المركز إلى أن الأولى والأجدى أن يتم تشديد العقوبات على المحرضين والمتدخلين البالغين في الجرائم التي يزج فيها الأحداث دون ارادتهم الكاملة المعتبرة قانونا، إذْ ان الأحكام العامة في القانون تقضي ان يكون الشخص المتهم بجرم مميزا وقاصدا لما يقوم به حتى تتم محاسبته.
ووفقا لبيان المركز لا بدّ أن تستند التشريعات المتعلقة بعدالة الاحداث إلى مبادئ حقوق الإنسان وخاصة اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الاردن ونشرها في الجريدة الرسمية العام 2006، معربا عن تطلعه إلى إقرار قانون للأحداث يعالج الواقع المعيش بينما يرتقي -أيضا- بالمجتمع إلى مرحلة أكثر تقدما واستقرارا.
في الوقت نفسه بذل نواب وحقوقيون جهودهم لاعادة التصويت مجددا على سن المسؤولية الجزائية للحدث وتبنى النائب سمير عويس مذكرة نيابية تطالب بإعادة التصويت على المادة المتعلقة بذلك.
ولفتت المذكرة إلى ان زج الأطفال في السجون أو مراكز رعاية الأحداث يؤثر على جنوحهم سلبا موضحة ان 40٪ تقريبا ممن يدخلون السجن من المرجح ان يعيدوا تكرار جرائمهم وفق احصاءات رسمية.
في الوقت نفسه بين النائب عويس أن مجلس النواب أقر سن المسألة الجزائية للحدث ورفعه إلى سن 12 عاما خلال جلستهم وتصويتهم تحت قبة البرلمان، مشيرا إلى ان أغلبية النواب صوتوا على القانون الجديد وتم اقراره.
يذكر أن مصادقة الأردن على اتفاقية حقوق الطفل جاءت استجابة لنتائج الأبحاث والدراسات العلمية الخاصة بالطفولة والأطفال او الأحداث الجانحين وضمان التنشئة السليمة لهؤلاء باعتبارهم غير قادرين على تقدير نتائج أفعالهم بشكل كامل ومتوازن؛ ما يحد من مسؤوليتهم عن الأفعال التي يرتكبونها.

إسلام أبو زهري