قرار محكمة استئناف عمان رقم 36823/2010 (هيئة ثلاثية) تاريخ 19/10/2010



1. يستفاد من المواد (24 - 27) من الدستور الاردني انه نص على مبدأ الفصل بين السلطات ونصت المادة 97 من الدستور الاردني على استقلال السلطة القضائية (وبأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون) وبالتالي ولما كانت السلطة القضائية مستقلة عن غيرها من السلطات وعلى قدم المساواة معها بحيث ان السلطات جميعها مصدرها الدستور الذي انشأها لا تعلو فيه سلطة على اخرى فإن ما يترتب على ذلك ان أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية لا تستطيع ان تضع قانوناً مخالفاً للدستور وتجبر السلطة القضائية على تطبيقه، كما ان عدم قيام المحاكم بالامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور يعتبر مشاركة منها في الاعتداء على الدستور وتعطيل احكامه. ويجمع الفقه ان رقابة القضاء على دستورية القوانين هي نتيجة حتمية لسمو الدستور وجموده، ذلك ان الدستور الاردني يسمو على ما عداه من القوانين التي عليها ان تلتزم بالدستور واحكامه وان تسير في فلكه ولا تخرج عن حدوده والا اعتبر التشريع الصادر بالمخالفة لذلك غير دستوري وجب انزال الجزاء المقرر عليه والامتناع عن تطبيقه، وحيث ان الاصل ان السلطة التشريعية هي التي تقوم بمهمة التشريع ولا يجوز الخروج على هذا الاصل الا بنص صريح في الدستور، كما ان السلطة التنفيذية تتولى اعمال التنفيذ ولا يجوز لها ان تتدخل في اعمال التشريع الا بنص في الدستور يجيز لها بذلك وضمن الحدود والضوابط المقررة لإصدار التشريع ومنها تشريعات الضرورة التي يجب ان لا تخالف الدستور وتشريعات الاحكام العرفية والطوارئ. وان الدستور هو مصدر السلطات جميعها وقد وزع السلطات الثلاث على اساس احترام كل سلطة منها للمبادئ التي قررها الدستور، فاذا وضعت السلطة التشريعية تشريعاً غير دستوري لا تستطيع ان تجبر السلطة القضائية على تطبيقه دون الدستور ولا تطبق المحاكم فيما يعرض عليها من القضايا أي تشريع يصدر من جهة غير مختصة أو دون مراعاة لنص الدستور أو روحه وتلتزم المحاكم في تطبيقها للتشريعات المتفاوتة في القوة بتطبيق التشريع الأعلى عند تعارضه مع تشريع ادنى، وبالتالي فإن قيام القضاء بالرقابة على دستورية القوانين يعتبر من طبيعة مهمته وصميم عمله القضائي، إذ ان مهمة القاضي عند الفصل في النزاع هي معرفة صفة القانون الواجب التطبيق وواجب المحكمة ان تطبق التشريع الاعلى وهو الدستور عندما يخالفه أو يتعارض معه قانون ادنى منه سواء القانون العادي أو المؤقت أو الانظمة أو اللوائح. وان معظم دول العالم التي لم تنظم بها الرقابة على دستورية القوانين بنصوص قانونية صريحة مارست فيها المحاكم حق الرقابة على دستورية القوانين دون وجود نصوص قانونية أو دستورية تعطيها تلك الصلاحية باعتبار ان ذلك من المبادئ العامة الواجب الاخذ بها في أية دولة ذات دستور جامد تحتاج إجراءات تعديله لإجراءات تختلف عن تلك التي يتطلبها الدستور في تعديل القوانين العادية، وبالتالي وحيث ان الدستور الاردني ينتمي إلى تلك المجموعة من الدساتير التي تحتاج لإجراءات مختلفة عن الاجراءات الواجب اتباعها بشأن القوانين العادية فإن ما يترتب على ذلك ان الدستور الاردني يتمتع بمنزلة تسمو على غيره من القواعد القانونية الاخرى وقد اقر الاتحاد الدولي للقضاء في اجتماعاته التي عقدت في عام 1966 و 1967 حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين باعتبار ان انسجام واتفاق القوانين مع احكام الدستور هو في مقدمة القضايا التي تهم القضاة لأن الرقابة على دستورية القوانين امر ضروري ومهم لتأمين صيانة وحماية حقوق الانسان الاساسية.


2. يستفاد من المادة 94 من الدستور الاردني فإن المشرع منح السلطة التنفيذية صلاحية اصدار القوانين المؤقتة بشرط ان تتوافر الشروط التالية :
1) ان يكون مجلس الامة غير منعقداً أو منحلاً.
2) وجود حالة ضرورة أي وجود امور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير.
3) ان لا تخالف القوانين المؤقتة الدستور.
وان حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة 94 من الدستور وفق ما استقر على ذلك الاجتهاد القضائي في القرار الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة العدل العليا بقرارها رقم 234/1997 تاريخ 26/1/1998 تتمثل في نشوء خطر جسيم يتعذر مواجهته بالطرق القانونية كالحرب والكوارث والفتن الداخلية وطبيعة هذا الخطر أنه داهم ذو صفة استثنائية، وبالتالي يجب ان تقتصر سلطة مجلس الوزراء في اصدار القوانين المؤقتة على مواجهة الحالة الاستثنائية ولا تتعداها ولا يجوز ان تمتد هذه السلطة لغير حالات الضرورة فما يمكن معالجته بقانون عادي لا يجوز معالجته بقانون مؤقت لأن نصوص الدستور ومبادئه وهي التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة يتوجب النزول عندها باعتبارها أسمى وأعلى القواعد التشريعية وهذه النصوص والمبادئ هي التي تحدد للسلطات العامة في الدولة وظائفها واختصاصاتها بحيث لا يجوز لأي سلطة ان تتعدى على اختصاصات سلطة اخرى. وحيث ان حالة الضرورة بالمعنى المقصود سابقاً والمنصوص عليها في المادة 94 من الدستور غير متوافرة في نص المادة 407 من قانون العقوبات إذ ان سرقة السيارات ليس خطراً جسيماً يتعذر مواجهته بالطرق القانونية العادية ذلك ان سلطة اصدار القوانين المؤقتة شرعت لمواجهة ومجابهة ظرف طارئ وبالتالي لا يجوز استعمال هذه السلطة وسيلة لتنظيم موضوعات يختص بها التشريع العادي والمشرع الاصيل المختص أصلاً بالتشريع (السلطة التشريعية) الامر الذي تجد معه محكمتنا وبما لها من صلاحية في التحقق من مدى دستورية النصوص القانونية في الواقعة المعروضة عليها ان المادة 407/3 من قانون العقوبات المؤقت رقم 12 لسنة 2010 مخالفة للدستور وللمادة 94 منه مما يتوجب الامتناع عن تطبيقها ولما كانت محكمة صلح جزاء غرب عمان قد ذهبت في قرارها المستأنف إلى خلاف ذلك فإنها تكون قد خالفت القانون إذ كان عليها الامتناع عن تطبيق المادة 407/3 من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2010 وان تتصدى لذلك من تلقاء نفسها حتى وان لم يتم الدفع امامها بذلك من أي من الخصوم باعتبار ذلك من النظام العام وموجبات تطبيق التشريع الاعلى عندما يعارضه ويخالفه تشريع ادنى.