العرب اليوم وسن عبد الهادي - لم يمر الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الذي يُظهر حالة تحرش جماعي بفتاتين في شارع جامعة اليرموك في إربد قبل ايام مرور الكرام، فقد دق ذلك الفيديو ناقوس الخطر على مسألة التحرش الجنسي في الاردن الذي لم تكُن ملامحه بينة في السابق مثلما هي الان.
مسألة التحرش الجنسي لم تعد من المسائل التي تعالج بتكتم والعفو عن المُتحرِش لغاية الابتعاد عن خطوط "الفضيحة" التي كانت تسيطر على العقول قديما، ولا بد من الاقرار بوجود مشكلة حقيقية تتبع هذا الموضوع. التحرش الجنسي امر لا بد من تسليط الضوء عليه ومعالجته معالجة حقيقية، والمساهمة والتعاون مع اي حملة يكون هدفها نشر الافكار التوعوية خاصة للفتيات من اجل ان لا تصمت على واقعة التحرش.
جاء ذلك الفيديو الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي كي يكون بداية لدعوة مكافحة التحرش الجنسي في الاردن، وتبعا لذلك أكد وزير العدل الدكتور بسام التلهوني أن اللجنة القانونية التي تعمل حاليا على مراجعة قانون العقوبات ستشدد العقوبة على الأفعال التي تصدر عن فئة الأشخاص التي تخرج عن عادات وأخلاق مجتمعنا الأردني المحافظ.
وبين في تصريح صحافي ان التعديلات ستشدد العقوبات على هذه الافعال، مشيرا الى انها ستنص على نشر صورة من تثبت إدانتهم بأفعال التحرش في الصحف اليومية كنوع من الرادع القانوني.
وقال التلهوني ان قانون العقوبات الأردني وبموجب أحكام المادة (306) منه قد عاقب على أفعال التحرش الجنسي تحت باب الفعل المنافي للحياء، وفرض عقوبات الحبس لمدة تصل الى ستة أشهر أو بغرامة مالية.
وأكد نشطاء اجتماعيون وحقوق انسان ان اقتراح نشر صور من تثبت ادانتهم بافعال التحرش في الصحف اليومية يعد اقتراحا صائبا ولعله يكافح آفة التحرش.
ولكن تخوف النشطاء بأن تكون ردة الفعل هذه على معالجة مسألة التحرش الجنسي عبارة عن ردة فعل مؤقتة بخصوص الفيديو الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنهم يأملون بان تتم مراجعة قانون العقوبات وتشديد العقوبات بخصوص مسألة التحرش الجنسي.
للتحرش الجنسي صور عديدة لا تقف فقط عند التحرش الجسدي، وجاءت الدراسة التي أجراها باحث أردني لتكشف عن تعرض 53 % من الأردنيات للتحرش الجنسي بأنواعه المختلفة، ولتبين ان أكثر أنواع التحرش الجنسي شيوعا في الأردن هو «التحرش اللفظي»، يليه «التحرش بالنظر والإيماءات»، ثم «التحرش باللمس»، ثم باستخدام وسائل الاتصال المختلفة.
وعزت الدراسة التي أعدها الباحث في دراسات السلام والنزاعات محمود جميل الجندي، التي حملت عنوان «التحرش الجنسي جريمة بلا دليل»، أسباب التحرش إلى عدة عوامل منها: الوضع الاقتصادي الصعب والفقر والبطالة، وقلة الوعي الديني والثقافي للمتحرشين، ولباس المتحرش بها، والانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال، واستهدفت الدراسة عينة ممثلة من النساء في خمس محافظات أردنية مختلفة.
تعتقد الثلاثينية سمر حداد ان التحرش الجنسي لا يبرره اي سبب كان، سواء الوضع الاقتصادي الصعب او لباس المُتحرَش بها او غيرها من الاسباب، لذا فان التحرش يجب ان يجد امامه عقوبات رادعة للقضاء على آفة التحرش الجنسي من جذوره.
بدوره يرى الاربعيني سامر ملكاوي ان قضايا التحرش الجنسي يجب ان لا يُسكت عنها نهائيا، لان الصمت في هذه الحالات يُعد بيئة خصبة لاستمرار حالات التحرش الجنسي.
يضيف الملكاوي ان التفكير تحت مبدأ حالات التحرش الجنسي سيسبب الفضحية للضحية المُتحرَش بها يعد من اهم اسباب استمرار حالات التحرش، فلا يرى المُتحرّش اي عقوبة للجرم الذي ارتكبه فلا يكون له رادع في المرات المقبلة، لذا فان على الفتيات ان يفهمن ان الصمت لا يحل مشكلة ابدا وانما على العكس سيسبب الكثير من الالم لنفسها ولفتيات اخريات.
وبناء على تحقيق صحافي اجرته مجلة "ذانيشن" الأمريكية فإن مستويات التحرش الجنسي في الأردن وصلت مستويات غير مسبوقة في السنوات الاخيرة، خصوصا مع انخراط كبير للمرأة في سوق العمل.
وحسب التحقيق الذي نشرته المجلة فإن "التحرش الجنسي في الأماكن العامة أصبح شائعا، فالرجال في السيارات يحاولون التقاط النساء الماشيات على جانب الطريق، كما أن الكثير من النساء يتعرضن للتحرش من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عدا التحرش اللفظي والجسدي في الأماكن العامة".
ويقول التحقيق إن "التحرش الجنسي ظاهرة عالمية، ولكنه ظاهرة جديدة نسبيا في الأردن ودول عربية أخرى، فقبل عام 1980، كانت المرأة تفضل البقاء في المنزل ولا تتركه إلا عندما تكون مصحوبة بالرجال، ثم أصبح عمل المرأة خارج المنزل أكثر شيوعا، وظهرت النساء في الشوارع ودخلت بكثافة إلى الحياة العامة، لكن وفقا لنساء قابلتهن المجلة فإنه في الثلاث أو الأربع سنوات الماضية، وصل الموضوع إلى مستويات غير مسبوقة من القبول الاجتماعي، فالإبلاغ عن الحوادث هو من المحرمات، وتحقيق العدالة للضحايا أمر نادر الحدوث".