بتاريخ 9 تشرين الأول 2013 نشرت المفكّرة القانونية على موقعها الإلكتروني مقالاً بعنوان "التمييز الأردنية تعلن مبدأ المساواة بين الجنسين في معرض تطبيق نص ذكوري بامتياز: تشريع للذكورية من خلال المساواة الشكلية"، عرضت فيه لصدور قرار عن محكمة التمييز الأردنية بهيئتها العامة في القضية رقم 349/2013، قضت فيه وبالأكثرية، أنه لا يوجد مانع من تطبيق المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، التي تعفي الرجل من الملاحقة وتوقف تنفيذ الأحكام الجزائية بحقه في جرائم هتك العرض أو الاغتصاب أو غيرها من الجرائم المخلة بالشرف إذا تزوج الضحية المعتدى عليها، على المرأة التي تقوم بأي من هذه الأفعال.

وانطلاقاً من ذلك، فقد نشرت المفكّرة تعليقاً للحقوقي الأستاذ أيمن هلسا حول هذا الحكم، فاتحة موقعها الالكتروني للتعليق على هذا الحكم أو على أي عمل قانوني آخر يخشى منه تكريس اللامساواة تحت غطاء المساواة الشكلية.

وانسجاماً مع ذلك، فقد وجدنا ثقل ما تعلّمناه في كلية الحقوق يلقي بكاهله على عاتقنا ويدعونا للالتفات إلى واجباتنا العلمية والمهنية، بما يؤدي إلى إعلاء شأن إنسانيتنا، فكان لا بد من تلبية نداء المفكرة القانونية على عجل....

إذ بعد الاطلاع على أبرز ما ورد في قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز الأردنية، المشار إليه، فقد أثار لدينا عدداً من الملاحظات التي سنعمد إلى عرضها، على هدي من طرائق وقواعد التفسير المعتمدة قانوناً والمكرّسة علماً واجتهاداً، علّنا نستطيع إبراز الثغرات التي شابت القرار موضوع تعليقنا وذلك وفقاً للآتي:

1-في البداية لا بد من القول، أن القاعدة الأولى المسلّم بها في قواعد تفسير النصوص القانونية أن محل إعمال تلك القواعد هو غموض النص أو تعيّبه بما يطمس إرادة المشرّع الحقيقية بحيث يضحي من الواجب فقهاً وقضاءً البحث عن إرادة المشرّع من خلال نيته أو إرادته المفترضة. أما إذا كان النص واضحاً، فإنه لا محل إطلاقاً لإعمال قواعد التفسير إذ يُستدل بسهولة عن إرادة المشترّع الحقيقية، ويتوجب على القاضي أن يطبق النص بحرفيته لأن المبدأ البديهي أن "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص".
ومن العودة إلى القرار موضوع تعليقنا يتبيّن أن المحكمة التي أصدرته، عمدت إلى البحث عن إرادة المشرّع المفترضة في نص واضح وغير معيب وهو نص المادة 308 من قانون العقوبات الأردني الذي تظهر فيه إرادة المشرع الحقيقية بأبهى حللها من خلال عبارات واضحة، جليّة وغير ملتبسة، ولا تثير أي نقاش جدي، فتكون تلك المحكمة قد طبقت قواعد التفسير في غير موضعها وأحلّت نفسها محل المشرّع مخالفة مبدأ فصل السلطات ذي القيمة الدستورية.

2-وأكثر من ذلك،فإن هناك قواعد دقيقة لتفسير النصوص القانونية لا يمكن تجاهلها مهما كانت وسيلة أو طريقة التفسير المعتمدة، إذ "عند غموض النص يفسره القاضي بالمعنى الذي يحدث معه أثراً يكون متوافقاً مع الغرض منه ومؤمناً التناسق بينه وبين النصوص الأخرى"[1]،أي أن المبادئ المطبقة لتفسير القوانين توجب تفسير الأحكام الواردة في ذات القانون أو في قوانين متشابهة بصورة منسجمة ومتكاملة بعضها مع بعض بدلاً من تعطيل مفعولها بتفسير نص بصورة غير متلائمة ومتجانسة مع النص الآخر والا جرد هذا النص من مفاعيله، فأحدث الطرق العلمية لتفسير القوانين تفرض توفيق وتقريب النص المطلوب تفسيره مع سائر النصوص المتعلقة بذات الموضوع أو بمواضيع متشابهة والا جرد النص من معناه ومن نتائجه[2].

ففي معرض تفسير القوانين يتطرق القاضي بنوع خاص الى نية صاحب التشريع ويصبح في الحال هذه معاون المشترع اذ يخلق باجتهاده القانون التكميلي بمعنى ان التفسير الذي يلجأ اليه هو ابراز ارادة ونية المشترع لإعطاء القانون النتائج المتوخاة، فهو يحاول في معرض التفسير للقانون ان يغلّب نية المشترع على النص الحرفي[3].

فالمعروف أن تفسير القاعدة القانونية يخضع لوسائل متدرّجة متفاوتة القوّة والحجيّة، يلجأ إليها القاضي تباعاً، إذ عندما تنعدم إمكانية اللجوء إلى الوسائل الأصلية في التفسير، والمتمثّلة بشكل أساسي "بالمعنى المستخلص من إشارة النص"، ينتقل القاضي إلى الوسائل الاحتياطية ومنها التفسير عن طريق وسائل الاستنتاج، أي الاستنتاج عن طريق مفهوم المخالفة (A contrario) والاستنتاج عن طريق مفهوم الموافقة أو "القياس"( Le raisonnement par analogie)، وبالتالي لا يجوز للقاضي أن يلجأ مباشرة للقياس كوسيلة مباشرة للتفسير القانوني، ما لم يستحل عليه اللجوء إلى وسيلة أخرى تكون أكثر حجية. وهذا ما يدفعنا للتساؤل هل أن القرار موضوع تعليقنا قد طبّق هذه القواعد؟

إن الإجابة على هذه الإشكالية، توجب علينا العودة إلى نصوص قانون العقوبات الأردني المعدّل بالقانون المؤقت رقم 12 لسنة 2010[4]، مع ما حمله هذا القانون الأخير من تعديلات جوهرية على أغلبية نصوص الشريعة الجزائية الأردنية وفقاً لما سيلي بيانه.
وعليه فمن الإطلاع على نص المادة 308 عقوبات أردني المعدّلة بالمادة 75 من قانون 2010 يتبين انها تفيد ما حرفيته:«1- إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب احدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها يوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه ما لم يكن مكرراً للفعل...»
ما يعني أن تلك المادة تحيل وتربط صراحة بين ما ورد في متنها وبين ما ورد في نصوص الفصل الذي وردت فيه وهو الفصل الأول من الباب السابع من الكتاب الثاني في قانون العقوبات الأردني المعنون "في الإعتداء على العرض" والمحتوي على المواد 292 حتى 308 ضمناً، مما يفرض العودة إلى تلك النصوص وما تضمنته بغية تفسير نص المادة 308، تفسيراً صحيحاً ومنسجماً مع تلك النصوص كما هو مفروض في قواعد التفسير.
ومن الإطلاع على نصوص تلك المواد، يتبدّى أنهاتشترك على الأغلب الأعم بعبارة واحدة واردة فيها جميعاً، وهي عبارة "من واقع أنثى" متبعاً إياها بعبارة "المجني عليها"، ما يعني أن المشرّع وبصراحة النص،وحتى من خلال تعديل العام 2010، قد اعتبر أن المجني عليها لا يمكن إلا أن تكون أنثى وأن الجاني لا يمكن إلا أن يكون ذكراً، فيكون ما قضى به القرار موضوع تعليقنا باعتباره أن عبارة "المعتدى عليها" يمكن أن تشمل الذكور، بعيداً كل البعد عن توافق النص المفسَّر أي المادة 308 مع بقية النصوص التي منع العقاب عنها، والتي كانت السبب في إقراره، وهو أمر غير منطقي وغير علمي ويخالف قواعد التفسير.
كما أن ذلك، يدل على أن تلك المحكمة قد لجأت إلى وسيلة التفسير بطريق القياس رغم أن إشارة النص ومدلوله واضحان، على ضوء النصوص المربوطة فيه بحيث لم يكن من حاجة لسلوك هذا الطريق في التفسير طالما أن الوسيلة المباشرة قد بينت معناه دون أي التباس.

3-إن الواضح من القرار موضوع التعليق، أنه لم يراع حتى قواعد التفسير بطريق القياس، فالقياس هو إعطاء حالة غير منصوص عليها حكم حالة منصوص عليها عندما تكون علّة الحكم في الحالة الأولى أشد قوة وأكثر توافراً منها في الحالة الثانية، بمعنى آخر عندما تنطوي الحالة غير المنصوص عنها على شروط أكثر ملاءمة من الشروط التي أشار إليها المشترع، وهو نوع من الاستدلال المنطقي المبني على حجج أقوى وأولى بالاعتبار[5].
Le raisonnement a fortiori consiste àappliquer la solution prevue dans un cas voisin parce qu'il y a des motifs supérieurs de l'appliquer dans le cas envisage
(Raymond farhat,introduction àl'étude du droit,éd Beryte.p62).

ما يعني أن التفسير بطريق القياس يقوم على تخصيص العام، وليس العكس: إذ لا يجوز تعميم ما خصصه المشرّع لحالة معينة، والواضح من نصوص الشريعة الجزائية الأردنية، لا سيما التعديلات الواردة على نصوصها في العام 2010، أن المشرّع يطلق اللفظ المذكّر على الحالة التي يكون فيها اشتراك من حيث الحكم بين الذكور والإناث وليس العكس، إذ أن اللفظ المذكر هو اللفظ الأشمل واللفظ المؤنث هو اللفظ المخصوص بحالات معينة وحصرية لا يمكن القياس عليها، ومن أمثلة ما ورد في تعديلات العام 2010، نص المادة 299 المعدلة بالمادة 67 من القانون المذكور إذ نقرأ «كل من هتك بعنف أو تهديد أو بدونهما ولد- ذكرا كان أو أنثى-....»، كما نقرأ في المادة 71 المعدّلة للمادة 302 عقوبات:«كل من من خطف بالتحايل أو الإكراه،شخصاً- ذكراً كان أو أنثى-...»وفي المادة 74 المعدّلة للمادة 305 عقوبات:«يعاقب...كل من داعب بصورة منافية للحياء: أ- شخصاً لم يكمل الثامنة عشرة من عمره ذكراً كان أو أنثى...».
وعليه يتبيّن بما لا يقبل الجدل أن اللفظ الذكوري هو اللفظ العام القابل للقياس دون اللفظ الأنثوي، فضلاً عن أن المشترع وحتى من خلال استخدامه للّفظ الذكور، حرص أشد الحرص على تبيان شمول الإناث به من خلال العبارة المتكررة "ذكراً كان أو أنثى"، رغم أن ذلك من المسلمات لغةً، وذلك خوفاً من أي تفسير مغلوط، ولو كان يريد شمول الإناث بالإعفاء الوارد في المادة 308 عقوبات لنص على ذلك صراحة خاصة وأنه قد عدّلها في العام 2010 في نفس القانون الذي عدّل فيه المواد الأخرى.

4-حاولت المحكمة تبرير قرارها ومدى قانونيته واتساقه مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يفرض تفسير النص الجزائي بصورة ضيقة بقولها:"إن القياس على ما انعقد عليه اجماع الفقه الجنائي وتواترت عليه الاجتهادات محظور في مقام التجريم والعقاب ولكنه ليس كذلك في مجال التبرير أو ما في حكمه كحالة وقف التنفيذ...إذ يكاد يجمع الفقه أن القياس جائز إذا كان يقرر سببا للتبرير أو لامتناع العقاب إذ لا مساس له بحق المتهم لأنه يخرجه من دائرة العقاب ولا ضرر منه بحق المجتمع لأن المفسر لا يأخذ بالقياس إلا حين يتأكد من أن الأخذ به يتفق مع مقاصد المشرع».

إن ما عرضناه في النقاط السابقة، يبرز عدم اتفاق التفسير الذي اعتمده المحكمة مع مقاصد المشرّع ما يجعل ذلك التفسير، وباعترافها، مضراً بحق المجتمع، وفضلاً عن ذلك، فإن القياس الجائز بالنسبة لأسباب التبرير وموانع العقاب، وانطلاقاً من مفهوم وتعريف القياس المعروض سابقاً، هو ذلك المتعلّق بأسباب التبرير وموانع العقاب الواردة في القسم العام من قانون العقوبات أي في الكتاب الأول من قانون العقوبات الأردني أي في المواد 59 حتى 62 ضمناً والمواد 85 حتى 94 ضمناً منه، أما ما يتعلّق ببعض أسباب التبرير أو موانع العقاب الواردة في الكتاب الثاني أي من ضمن مواد التجريم فهي حالات استثنائية خاصة نص المشرّع عليها وعلى الشروط التي توجب إعمالها بحيث لا يجوز إطلاقاً القياس عليها ولو كان قصد المشرّع خلاف ذلك لكان أدخلها في القسم العام من القانون بغية تعميمها، وخير مثال على ذلك المادة 340 من قانون العقوبات الأردني التي تتناول العذر في جرائم الشرف، والتي تم تعديلها في قانون العام 2010،لتحوّل العذر من محل إلى مخفف، ولتفيد الزوجة منه وفق شروط معينة بعد أن كانت هذه الأخيرة غير مشمولة بأحكامها قبل التعديل الأخير.

وهذا ما يدعونا للقول انه خلافاً لما اعتمدته المحكمة في القرار موضع تعليقنا، فإن المادة 308 عقوبات أردني والمعدّلة ايضاً عام 2010 والواردة في القسم الخاص من قانون العقوبات لا يجوز تعميمها أو القياس عليها لأن المشرّع لو أراد ذلك، لكان وضعها في الكتاب الأول من قانون العقوبات، وعلى الأقل لكان عدّلها وفق ما فعل في العديد من النصوص الأخرى التي أفاد منها الذكر والأنثى على حد سواء.

وأخيراً، فإن المستنتج من كل ما تقدّم أن محكمة "التمييز" مصدرة هذا القرار قد استحقت عن جدارة اسمها بمعناه اللغوي المباشر لا القانوني الاصطلاحي، فتحت ستار المساواة الشكلية كرّست تمييزا جديدا بين الجنسين لصالح الذكورية طبعاً، معتمدة سياسة "العصا والجزرة" تجاه الإناث، فبدل أن تجاري المشرّع الأردني في التعديلات التي أقرها عام 2010 على القانون الجزائي والتي شكلت نقلة نوعية في الثقافة الجزائية، بما يبشّر بتطوّر تشريعي على هذا الصعيد في السنوات المقبلة، نرى المحكمة تخالف هذا التوجه بشكل بعيد عن القواعد السليمة للتفسير القانوني.

ومن هنا يقتضي القول، أنه أصبح حرياً بالمشرعّ أن يتدخل، لإلغاء هذه المادة وشبيهاتها، وعلى كلّ فإن بعض الدول العربية ومنها لبنان قد باشرت بخطوات بارزة في هذا المجال، إذ يبدو لبنان في طليعة هذه الدول حيث ألغيت المادة 562 من قانون العقوبات اللبناني التي تتحدث عن جرائم الشرف بموجب القانون رقم 162 تاريخ 17/8/2011 [6]، كما قدم النائبان إيلي كيروز وستريدا جعجع اقتراح قانون لرفع الإجحاف ضد المرأة في بعض نصوص قانون العقوبات اللبناني[7]، ومن ضمنه اقتراح إلغاء المادة 522 عقوبات لبناني[8]الشبيهة بالمادة 308 عقوبات أردني وهي لا تزال موضع درس في اللجان النيابية المختصة[9]،على أمل أن تصل إلى خواتيمها المبتغاة في أسرع وقت ممكن فتكون نموذجاً لكل المجالس التشريعية في العالم العربي.





http://www.legal-agenda.com/