الصحافة في يوم حريتها: تحديات كبيرة وانتهاكات متعددة وقيود مشددة



الصحافة في يوم حريتها: تحديات كبيرة وانتهاكات متعددة وقيود مشددة Journalism1

احتفل الأردن مع دول العالم، أول من أمس، باليوم العالمي لحرية الصحافة؛ هذا اليوم (الثالث من أيار من كل عام) الذي كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة حددته، في العام 1993، للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، ولتقييم حريتها، وللدفاع عنها أمام الانتهاكات والهجمات التي تتعرض لها، في محاولة لسلبها الحرية، أو التضييق عليها.
للأسف، احتفلت الصحافة ووسائل الإعلام المحلية باليوم، بعد العديد من المضايقات والعقبات التي وضعت في وجهها خلال العام الماضي للحد من حريتها، ومن قدرتها على تناول القضايا الوطنية المتنوعة بكل حيادية وموضوعية.
واجهت الصحافة المحلية الكثير من التحديات، وتمكنت إلى درجة ما من تجاوزها والتغلب عليها. ولكن يبدو أن تجاوزها لم يكن نهائيا. فمثلا، كانت هناك المادة 23 من قانون مكافحة الفساد، والتي تحت مسمى مكافحة الإشاعة واغتيال الشخصية، فرضت غرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار ولا تزيد على ستين ألف دينار على من ينشر معلومات عن فاسدين لا يتمكن من إثباتها، وكأن الصحفي قادر دائما على الحصول على الوثائق التي تدين الفاسدين!
المعركة التي خاضتها نقابة الصحفيين، والتفاف الأسرة الإعلامية حولها، تمكنت من تجاوز هذه العقبة الكأداء، ولكن لوقت. فمجلس الأمة أوصى الحكومة بإجراء تعديلات على قانون العقوبات بحيث يتضمن نص المادة 23.
وهناك عشرات من الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون والإعلاميون لمنعهم من ممارسة عملهم، ولاسيما خلال المسيرات والاعتصامات التي تنفذها الحراكات الشعبية والشبابية. وبعض الصحفيين تعرض للضرب والإهانة والاعتداء.
كما أن الحكومات المتعاقبة ما تزال تنظر إلى المواقع الالكترونية كخطر يجب الحد منه، وذلك من خلال تشريعات تضع قيودا على حرية النشر في هذه المواقع.
بالإضافة إلى ذلك، ما تزال الحكومات تلجأ إلى حبس الصحفيين على خلفية قضايا مطبوعات ونشر ورأي. وبالرغم من مئات التأكيدات على عدم اللجوء إلى ذلك، إلا أن الحكومات لم تتوقف عن هذه الممارسة بذرائع ومبررات غير مقبولة في عصر التطور التكنولوجي، والحراكات الشعبية والشبابية والربيع العربي.
وقبل أيام من احتفال الأردن مع دول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، أوقفت محكمة أمن الدولة رئيس تحرير موقع "جراسا نيوز" الالكتروني جمال المحتسب، على خلفية نشره مادة صحفية على موقعه بعنوان "نائب يدعي وجود توجيهات ملكية بعدم إدانة المجالي بملف سكن كريم". وقرر مدعي عام المحكمة توقيف المحتسب 14 يوما على ذمة التحقيق، بعد أن وجه له تهمة "الحض على مناهضة الحكم".
وبالرغم من رفض الجسم الصحفي والإعلامي والنقابي والحزبي، وكافة مؤسسات المجتمع المدني لهذا الإجراء، والمطالبة بإطلاق سراح المحتسب، إلا أن ذلك لم يحصل بعد. هذا الإجراء الذي اعتبر انتهاكا صريحا لحرية الإعلام، ومحاولة للرجوع إلى الخلف، أثار الخشية والخوف على الحريات الإعلامية. فالموقف الرسمي يؤكد يوميا على حرية الإعلام، لكن عمليا هناك انتهاكات متعددة ومستمرة لهذه الحرية التي يجب أن تكون مقدسة.
تخطئ أي حكومة تعتقد أنها بإجراءات الحبس والاعتقال والتوقيف وإلاحالة إلى محكمة أمن الدولة، قادرة على احتواء وسائل الإعلام والصحفيين. فالحكومات جربت، بحسب تقارير لمراكز ومنظمات حقوقية مختلفة، أنواع الاحتواء، الناعم منها والخشن والوسط، ولكنها لم تتمكن من منع الإعلاميين والصحفيين من ممارسة عملهم. ونرى فعلا، في هذه المرحلة، سقفا عاليا في الإعلام، قد تكون فرضته وساهمت فيه الحراكات الشعبية والشبابية المحلية التي انطلقت منذ نحو عام. ولكن للأسف، يتزامن ارتفاع السقف مع ازدياد الانتهاكات والممارسات الحكومية القمعية بحق الصحافة والصحفيين.
تحديات كثيرة تواجهها وسائل الإعلام، ولا تعود جميعها إلى إجراءات حكومية، وإنما هناك إجراءات ومواقف لهيئات ومؤسسات وشخصيات تحاول دائما إعاقة الصحافة عن عملها. وتشتد هذه الإجراءات والمواقف عندما تسلط الصحافة الضوء على الأخطاء والتجاوزات التي تقترفها هذه الفاعليات، وكان آخرها النقد الشديد الذي تعرضت له وسائل الإعلام المختلفة على ضوء موقفها الرافض منح النواب أنفسهم تقاعدا مدى الحياة. فقد استخدم نواب كل أنواع الشتائم والسباب للإساءة للصحفيين وسائل الإعلام التي انتقدت هذا القرار.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، يجب أن يفهم الجميع أن تقييد الصحافة ووسائل الإعلام لن ينجح، وأنها ستواصل عملها. وبالرغم من وجود أخطاء هنا وهناك تقع فيها وسائل الإعلام المختلفة، إلا أنها لا تستدعي ولا توجب تكميم الأفواه، وتوقيف الصحفيين واعتقالهم، وتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، والاعتداء عليهم. فهذه الأخطاء يمكن معالجتها من خلال الجسم الصحفي، ومن خلال نقابتهم بشكل مستقل وبدون تدخلات من أي جهة كانت. وفي المقابل، على الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها التعامل بطريقة إيجابية مع الاعلام، وعليها أن توقف كل الانتهاكات التي تعرض ويتعرض لها الصحفيون، والتي كان آخرها توقيف المحتسب، ومحاكمته أمام محكمة عسكرية . (الغد)