الأردن: مطالب بإعادة النظر في قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص


الأردن: مطالب بإعادة النظر في قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص 3230897





رغم وجود العديد من النصوص القانونية الإيجابية في مقترح قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص المدرج ضمن جدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة، إلا أنه بحاجة الى إعادة النظر في بعض المواد وإضافة مواد أخرى بهدف بناء شراكة متوازنة تضمن مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة.وتأتي هذه القراءة؛ التي أعدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية؛ لتلقي الضوء على أهم مفاصل مقترح القانون الذي أدرج ضمن الأعمال الاستثنائية التي باشرت أعمالها قبل أيام، فيما كان مجلس النواب أنهى مداولاته في نهاية الدورة العادية السابقة بأيام وتم إقراره من طرفهم.بحسب جريدة الغد

ويحظى ملف الشراكة بين القطاعين العام والخاص باهتمام كبير منذ عقود عدة من قبل الحكومات وممثلي القطاع الخاص ومنظري الاقتصاد السياسي في مختلف أنحاء العالم وتشارك المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية الاهتمام بهذا الموضوع؛ إذ بات واضحا جهود هذه المؤسسات في الدفع نحو تطبيق نماذج شراكات محددة أعدت من قبلها في العديد من الدول. ويتم ذلك من خلال التأثير على عملية تطوير التشريعات والسياسات ذات العلاقة، من خلال الدعم الفني الذي تقدمه للمؤسسات القائمة على تطوير التشريعات والسياسات سواء كانت حكومات أو برلمانات.

وتسارعت وتيرة الاهتمام العالمي في موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل كبير واتسع انتشارها وفي جميع أنحاء العالم منذ ما يقارب ربع قرن، وذلك بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وفشل العديد من النماذج التنموية التي كانت تعتمد بشكل كبير على القطاع العام وخاصة في الدول النامية التي تفتقر لمستوى مقبول من الممارسات الديمقراطية.

وتراجع مستوى ممارسات الحاكمية الرشيدة، مما انعكس سلبا وبشكل ملموس على جودة الخدمات العامة التي تقدم للمجتمع من قبل مؤسسات القطاع العام، الى جانب ضعف البنى الهيكلية لاقتصاداتها الوطنية واتساع مساحة التشوهات والاختلالات في مختلف القطاعات الاقتصادية وتعمق انكشاف هذه الاقتصادات أمام تسارع وتيرة تطوير وتنفيذ سياسات الانفتاح الاقتصادي وخاصة في مجال التجارة الخارجية وتطبيق العديد من السياسات الاقتصادية الليبرالية، والتي نجم عنها دمار للعديد من القطاعات الإنتاجية الوطنية بسبب عدم قدرتها على منافسة السلع المستوردة، وغياب كافة أشكال الدعم للقطاعات الإنتاجية، الأمر الذي أدى الى ضعف اقتصاداتها الوطنية وعدم قدرتها على توفير الإيرادات اللازمة لتنفيذ مشاريع نوعية قادرة على تعزيز التنمية المستدامة القادرة على توفير فرص عمل لائقة للأيدي العاملة الجديدة التي تولدها النظم التعليمية في غالبية هذه الدول.

لذلك تم الدفع وبشكل ملموس نحو الانفتاح على تطوير شراكات بين القطاعين العام والخاص، لتشجيع القطاع الخاص على زيادة استثماراته في مجالات الأنشطة الاقتصادية كافة. والى جانب هذه العوامل، هنالك العديد من الأسباب التي دفعت باتجاه تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الدول النامية ومنها محدودية الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية لدى القطاع العام وتقلص موارد التمويل المخصص لبرامج التنمية الاجتماعية ومطالبات المواطنين بتحسين نوعية الخدمات المقدمة لهم من المؤسسات الحكومية، والتطور التكنولوجي والاقتصادي المتسارع الذي أتاح الفرصة لتخفيض تكلفة تنفيذ المشاريع في القطاع الخاص وفعالية أدائه.

تضاف الى ذلك رغبة العديد من الحكومات في تحسين أداء القطاع العام من خلال توظيف أساليب التشغيل والصيانة المبتكرة من خلال شراكتها مع القطاع الخاص، والعمل على تخفيض تكاليف تقديم الخدمات للمواطنين وغيرها من الدوافع التفصيلية الأخرى.

وشهدت العديد من الدول العربية خلال الأعوام القليلة الماضية، عمليات مأسسة للشراكة بين القطاعين العام والخاص بعد عقود من العمل بين هذين القطاعين في العديد من المشاريع المختلفة من حيث النوع والمتفاوتة من حيث الحجم، وتشهد في الوقت الراهن كل من المغرب وتونس ومصر ولبنان والأردن مناقشات متعددة المستوى لتطوير قوانين وسياسات تقونن الشراكة بين القطاعين في المجالات التنموية والاقتصادية المختلفة.

وتعد الشراكة المتوازنة بين القطاعين العام والخاص أحد مسارات عملية الإصلاح الاقتصادي في الأردن؛ إذ إنها المرة الأولى التي يتم فيها اقتراح قانون لتنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص كجزء من سياسات الإصلاح الاقتصادي في الأردن.

وكانت العلاقات بين القطاعين وما تزال تنشأ بشكل اعتباطي وعشوائي وتقوم على مصالح ممثلي الأطراف الحكومية وعلاقتهم بموضوع الشراكة أو المشروع الى جانب قدراتهم المهنية من جهة ومصالح الشركات ورجال الأعمال من عملية الشراكة من جهة أخرى.

لذلك فإن جزءا كبيرا من عمليات الخصخصة التي جرت خلال ربع القرن الماضي والتي جرى تنفيذها في الأردن كانت تفتقر لاستخدام المعايير المتعارف عليها في عمليات الخصخصة، وكانت تفتقر أيضا لمعايير الممارسات الفضلى التي توصلت اليها التجارب العالمية، لذلك تخللتها ممارسات غير قانونية ترتبت عليها خسائر كبيرة على الأموال العامة.

ويعكس التفاوت في مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص الاختلافات بين المدارس الاقتصادية التي يتم النظر من خلالها الى الشراكة بين القطاعين وأهدافها ومصالح أطرافها وأدوار الدولة والقطاع الخاص في إدارة الشؤون الاقتصادية للدول؛ إذ يعد الموقف من هذه الأدوار أحد العناصر التي تتمايز فيها مدارس الفكر الاقتصادي المختلفة.

وتدفع المدارس الاقتصادية الليبرالية على اختلاف أنواعها باتجاه تعزيز دور القطاع الخاص في تطوير وتنفيذ السياسات الاقتصادية على حساب أدوار القطاع العام، في حين تدفع مدارس الفكر الاقتصادي الاجتماعية وعلى اختلاف أنواعها الى زيادة دور القطاع العام في رسم السياسات الاقتصادية وتنفيذها على حساب دور القطاع الخاص، أو منحه أدوارا تضمن مصالحه ومصالح المكونات الاجتماعية الأخرى مثل العاملين ومنظماتهم النقابية والمستهلكين ومتلقي الخدمات ومنظمات المجتمع المدني التي تمثل مصالحهم.

ويعود الغموض المفاهيمي لمفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص أيضاً الى عدم وجود نموذج شراكة واحد بين القطاعين العام والخاص يمكن البناء عليه؛ حيث تنوعت أشكال الشراكة وتفاوتت بشكل كبير.

وفي ضوء المعايير الواجب توفرها في أي قانون للشركة بين القطاعين العام والخاص، يمكن القول إن مقترح قانون الشراكة المنظور حاليا أمام البرلمان يتواءم مع العديد مع المعايير الواجب توفرها في أي شراكة بين القطاعين الى جانب افتقاره للعديد من المعايير.

وفيما يلي قراءة تحليلية لمقترح القانون:

أولا: تضمن مقترح القانون العديد من البنود التي توضح مفهوم الشراكة الذي ستبنى عليه باقي مواد القانون؛ حيث أشار إلى أن مجالات الشراكة تتركز في قيام القطاع الخاص بأداء وظيفة عامة أو تزويد خدمة أو استخدام ممتلكات عامة بالنيابة عن الجهة المتعاقدة، وذلك بتصميم و/أو إنشاء و/أو تمويل و/أو تشغيل و/أو صيانة البنية التحتية أو المعدات أو الممتلكات المادية والمعنوية اللازمة لأداء تلك الوظيفة العامة أو تزويد تلك الخدمة.

وهذا يفيد أن مجالات الشراكة مفتوحة بشكل كبير على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية كافة، وتم تأكيد ذلك في المادة (5) من المقترح ذاته؛ اذ أكدت أنه ورغم ما ورد في أي قانون آخر، تكون جميع القطاعات الاقتصادية مؤهلة لمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

الا أنه تم استثناء بعض القطاعات الاقتصادية وتشمل الاستثناءات مشاريع استغلال المصادر الطبيعية التي تخضع لقانون تنظيم شؤون المصادر الطبيعية رقم 12 لسنة 1968، والذي يشمل جميع مصادر الثروات الطبيعية الفلزية منها وغير الفلزية التي توجد على سطح الأرض أو في باطنها أو في المياه الإقليمية. الى جانب الأنشطة التي تقع ضمن اختصاص سلطات الدولة بموجب أحكام الدستور، كالدفاع الوطني والأمن والقضاء.

كذلك استثنت المشاريع التي تدخل ضمن المناطق الاقتصادية الخاصة، ويسمح مقترح القانون في المادة 5 منه لمجلس الوزراء استثناء أي قطاع آخر.

الا أنه يلاحظ عدم استثناء الخدمات الاجتماعية الأساسية التي تقدمها الدولة الى مواطنيها مثل الخدمات الصحية وخدمات التعليم الأساسي وتزويد الطاقة والمياه، الأمر الذي يفتح المجال أمام فتح الباب لقيام شراكات في هذه القطاعات.

وهذا يخالف المعايير الأساسية التي يجب أن تتوفر في أي شراكة بين القطاعين العام والخاص. كذلك أوضح مقترح القانون أن الشراكة تتسم بطول الأمد ولكنها غير محددة بعدد سنوات محدد، لذلك كان من المفروض تحديد الإطار الزمني لأمد الشراكة وعدم تركها مفتوحة.

ثانيا: أما فيما يتعلق بأهداف عميلة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فقد حدد مقترح القانون أهدافه في المادة 3 منه بشكل تفصيلي، وتشمل تشجيع وترويج وزيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية في المملكة وإيجاد بيئة ملائمة للقطاع الخاص للمشاركة في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما يمكن القطاع العام من تحقيق تناسب التكلفة مع المنفعة من خلال مشاريع الشراكة، وزيادة فرص إيصال الخدمة وفعالية المشاريع في توفير بنية تحتية وخدمات عامة ولتحسين نوعية الخدمات، وغيرها من الأهداف التنظيمية الأخرى.

أما أهداف الشراكة نفسها فقد تمثلت بشكل تفصيلي، وفق المادة 4 من مقترح القانون؛ في تعزيز إنشاء وإعادة تأهيل وتشغيل وصيانة البنية التحتية العامة وحشد التمويل من القطاع الخاص وتشجيع المبادرات الخاصة لتقديم خدمات عامة وزيادة القدرة والمعرفة الفنية لتقديم واستخدام الأساليب التقنية الحديثة لإدارة البنية التحتية والقطاعات الأخرى وتنفيذ المشاريع التي تحقق تناسب التكلفة مع المنفعة مع جودة الخدمة والتوزيع المناسب للمخاطر بين الجهة المتعاقدة والجهة الخاصة.

ويمكن القول إن هذا التفصيل الوارد في مقترح القانون يسجل لصالح القانون لاتجاه بناء شراكات متوازنة.

ثالثا: وفيما يتعلق باختيار المشاريع المناسبة وذات الأولوية للمجتمع والدولة، لم ترد في مشروع القانون أي مواد تشير الى أن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ستتركز في القطاعات والمشاريع التي تشكل أولوية للمجتمع وحاجاته.

ويمكن التخمين أن المشرع يرى أن مجلس الشراكة المكون من ممثلي المؤسسات الحكومية ويرأسه رئيس الوزراء هو صاحب الصلاحية في تحديد طبيعة المشاريع وأولوياتها باعتبار اختيار المشاريع وأنواعها هو من صلاحيات مجلس الشراكة الذي سيتشكل وفق القانون، والذي يخضع لموافقة مجلس الوزراء وفق المادة 7، وهذا بحد ذاته أمر مقبول على اعتبار أن مجلس الوزراء هو صاحب الولاية العامة في تحديد الأولويات والحاجات الملحة للمجتمع الأردني، هذا اذا افترضنا أن آلية اتخاذ القرار في الأردن تتم وفق أساليب ديمقراطية، لذلك يفضل في هذه الحالة وجود نص قانوني يتضمن معايير اختيار المشاريع ومنها أن تكون المشاريع ذات أولوية ملحة للمجتمع.

رابعا: وفي مجال إنشاء إطار تنظيمي شفاف يضمن حماية مصالح أطراف الشراكة كافة من القطاعين العام والخاص والمستهلكين والعمال، والإعلان عن عقود الشراكة أمام الجميع للاطلاع عليها، فقد أنيط تنظيم عملية الشراكة بين القطاعين العام والخاص بمجلس عالي المستوى يضم العديد من الوزراء يرأسه رئيس الوزراء وفق مقترح القانون في المادة 6 منه، ويتمتع هذا المجلس بصلاحيات واسعة وفق القانون المقترح تتمثل في رسم السياسات العامة لمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص واتخاذ القرارات المتعلقة بتقرير قابلية الاستمرار لمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص على أساس فيما إذا كان يحقق الجدوى المؤسسية والقانونية والفنية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية والمالية.

ورغم هذه الصلاحيات الواسعة، فإن جميع قرارات مجلس الشراكة بين القطاعين العام والخاص تخضع لموافقة مجلس الوزراء وفق المادة 7 من مقترح القانون.

ويتم تأسيس وحدة إدارية خاصة في وزارة المالية تسمى “وحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص” ترتبط بالوزير وفق المادة 8 منه، وتم تحديد العديد من المهام التفصيلية الإدارية والمالية ويكون عملها ذا طابع فني (تقني) بحت يشمل العديد من المهمات التفصيلية.

إن عملية التنظيم المذكورة أعلاه تسجل لصالح مقترح القانون، الا أن هذا لا يبرر عدم وجود أي نصوص قانونية في مقترح القانون تتحدث عن أدوار منظمات المجتمع المدني بما فيها المنظمات العمالية في تحديد معايير متخصصة تتعلق بآليات عمل المشاريع المطروحة للشراكة بين القطاعين، سواء كانت معايير تتعلق بشروط العمل واحترام معايير العمل المتعارف عليها أثناء تنفيذ المشروع وبعد تنفيذه، أو المعايير المتعلقة بالمحافظة على البيئة.

خامسا: لم يمنح مقترح القانون الأولوية للشركات الوطنية لتنفيذ مشاريع الشراكة؛ إذ لا يوجد أي نص يتناول هذا الموضوع، وبقيت صلاحية اختيار الشريك من القطاع الخاص جزءا من صلاحية “مجلس الشراكة” وموافقة مجلس الوزراء، وعليه فإن من الضروري اضافة نصوص قانونية تعطي الأولوية للقطاع الخاص الوطني اذا امتلكت القدرات الإدارية والفنية ذاتها التي يمتلكها القطاع الخاص الأجنبي.

سادسا: لم يتضمن مقترح القانون أي نصوص تتعلق بالتزام القطاع الخاص باحترام معايير العمل المتعارف عليها وشروط الحفاظ وحماية البيئة أثناء وبعد تنفيذ مشاريع الشراكة. رغم ورود مجموعة من المعايير الأخرى في المادة 17 منه تتعلق بجدوى المشاريع وقدرة القطاع الخاص المتقدم على تقديم قيمة مضافة، ووجود ميزة ابتكارية في تصميم أو تطوير وإدارة المشروع.

سابعا: وفيما يتعلق بإجراء تحليل مفصل للمخاطر وتقاسم المخاطر بشكل يحقق مصالح المجتمع، فقد نص مقترح القانون في المادة 2 منه على إجراء تحليل دقيق لتفاصيل المشاريع والمخاطر المترتبة على عملية الشراكة، وتم إلزام الجهة الخاصة طرف الشراكة بتحمل المخاطر المالية و/أو الفنية و/أو التشغيلية و/أو البيئية الجوهرية فيما يتعلق بأداء وظائف عامة أو تزويد خدمات و/أو استخدام ممتلكات عامة وفقا لأحكام عقد مشروع الشراكة، وهذا يسجل لصالح نص مقترح القانون.

ثامنا: لم يتضمن مقترح القانون أي مواد تتحدث عن أدوار لمنظمات المجتمع المدني المختصة في أي مرحلة من مراحل عملية الشراكة، ومن المعلوم أن المجتمع المدني بأطره الواسعة يعد جهة ذات مصلحة في أي عملية شراكة، سواء كانت منظمات عمالية (نقابات) أو منظمات بيئية أو منظمات تمثل المستهلكين، وبالتالي كان يفترض أن يتضمن مقترح القانون نصوصا واضحة على إشراك المجتمع المدني في مختلف مراحل عملية الشراكة للحفاظ على مصالح العاملين والمستهلكين والبيئة.




المصدر: مباشر