منذ أن نالت الحكومة ثقة النواب، وقبل ذلك، وهي تؤكد أنها ستعدل قانون الانتخاب، ليكون رافعة للإصلاح السياسي، ويحقق ما عجز عنه القانون الحالي؛ من تعزيز الديمقراطية والتمثيل الشعبي، وتحقيق الحكومة البرلمانية.
وبالرغم من هذه التأكيدات التي أُعلنت في الكثير من المواقع والمناسبات، إلا أن الحكومة عمليا لم تخطُ أي خطوات على هذه الطريق. وما نزال في مرحلة إعلان النوايا والتوجهات التي استحوذت على الكثير من الوقت.
من التجارب الماضية، فإن تعديل قانون الانتخاب يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين. وهذا يعني أن تضع الحكومة خطة واضحة ومحددة، ضمن مواعيد ومواقيت، للبدء بإجراء هذه التعديلات. وكما هو معروف، فإن تعديل قانون الانتخاب يجب أن تشارك فيه القوى والفاعليات السياسية الرسمية والحزبية والشعبية، وأن يحظى بتوافق عليها. وأي محاولة لاستثناء هذه القوى والفاعليات، ستعيدنا إلى المربع الأول؛ أي إلى مربع عدم التوافق، والاحتجاجات والمقاطعة وغيرها. والعودة إلى هذا المربع تعني أن التعديلات التي أُدخلت على القانون لم تكن مناسبة، ولم تحقق المطلوب.
لذلك، إذا كانت الحكومة تسعى فعلا إلى تعزيز الإصلاح السياسي، وإخراج الساحة السياسية من الأزمة التي تعيشها، فإن عليها وضع خريطة طريق لتحقيق ذلك. وعليها أن تتجنب التفرد بالقرار، أو التفرد بوضع التعديلات على القوانين السياسية، وعلى رأسها قانون الانتخاب.
وطبعا، فإن الحوار الجاد الذي يشمل جميع القوى والفاعليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، هو الحل للوصول إلى قوانين سياسية إصلاحية، لكنّ للحوار شروطا. إذ جرى سابقا أكثر من حوار حول القوانين السياسية، لكن لم تنتج عنها تعديلات مناسبة تسهم في الإصلاح؛ بل العكس. فالتعديلات تسببت في جمود سياسي، ورفض واحتجاج. لهذا، فإنّ الضرورة السياسية والإصلاحية، تستدعي وضع آلية للحوار، تكون ملزمة للجميع؛ وأنْ تتضمن شروطا لعدم الاستفراد بالقرار، وأن يتم التوافق على النتائج.
فإذا كانت الحكومة جادة، ولديها مصلحة حقيقية في تعزيز الإصلاح السياسي، فإن عليها عدم التأخر في الحوار، وعليها أن تشرك جميع القوى السياسية في البلاد؛ المعارضة وغير المعارضة، وأن تضع الآلية المناسبة لهذا الحوار بالتوافق مع هذه القوى. وأي تلكؤ، وأي تغييب لقوى معينة عن الحوار، وإدارة الظهر لمؤسسات المجتمع المدني، وفرض شروط وتعديلات على القوانين السياسية لا تحظى بالتوافق الوطني، سيُضعف الإصلاح السياسي إلى أقصى درجة، وستبقى الساحة السياسية على حالها، وسيزيد من التوتر على كل الصعد.

الغد