استكملت الحكومة ما وعدت به مجلس النواب، بإحالة قوانين "الإصلاح" جميعها إليه في نهاية شهر آذار (مارس). وكان آخر هذه القوانين مشروع قانون الانتخاب الذي أحالته الحكومة أول من أمس إلى مجلس النواب، بتأخير عن الموعد الذي التزمت به في بيانها الوزاري عدة أيام فقط.
وكأن الحكومة تقول إن الكرة في ملعب النواب والقوى السياسية والحزبية والفاعليات المجتمعية. فالتشريعات الأساسية موجودة لدى مجلس النواب، منها ما أقره المجلس كالهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، والتي توشح قانونها أمس بالإرادة الملكية السامية، وقانون البلديات، ومنها ما يزال لدى المجلس كمشروع قانون الأحزاب.
طبعا، فإن القانون الأهم في التشريعات الإصلاحية هو قانون الانتخاب والنظام الانتخابي الذي سينبثق عنه. ومشروع القانون أثار ردود فعل عديدة، منها مرحب ومنها رافض. الترحيب جاء من قبل بعض الهيئات والتجمعات الوسطية، في حين كان الرفض الشديد من قبل أحزاب المعارضة وبعض الهيئات ومنظمات المجتمع المدني، والتي رأت فيه تراجعا كبيرا عن الوعود الحكومية بالإصلاح، بل واعتبرته ضربة شديدة للإصلاح.
لا يمكن الاستهانة بالردود الحزبية المعارضة تجاه القانون؛ فهذه الأحزاب، مع الحراكات الشعبية والشبابية، هي المحرك الأبرز لغالبية الفعاليات والأنشطة المعارضة للمطالبة بالإصلاحات. وفي حال اتخذت موقفا رافضا لقانون الانتخاب، فإنها بالضرورة لن تشارك في الانتخابات النيابية، وستزيد من حجم وزخم معارضتها.
وقد كان هذا واضحا لدى الإسلاميين؛ فالحركة الإسلامية بشقيها (حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين) رفضت، في بيان لها أمس، القانون، لأنه من وجهة نظرها يشكل "عاملا قويا في زيادة الاحتقان ومخزون الرفض لدى الناس، وسببا مثبطا في تطوير الحياة الديمقراطية الشورية، ومعطلا للتحفيز للمشاركة السياسية". ودعت لذلك إلى سحبه، وإصدار قانون جديد يتجنب السلبيات التي أشارت إليها.
وبهذا الموقف، استبقت الحركة الإسلامية الحوارات التي سيجريها مجلس النواب عبر لجانه المختصة مع القوى السياسية والحزبية حول القانون. فهي تعلن بهذا الموقف أنها لن تشارك في الحوار النيابي، وبالتالي، فإن عدم سحب القانون سيعني مقاطعتها للانتخابات النيابية التي ستجري وفقه.
وقد تؤيد قوى سياسية أخرى هذا الموقف "الإسلامي" المتشدد من القانون، مما يعني أن الكثير من قوى المعارضة لا تثق بأن مجلس النواب سيغير في القانون بالاتجاه الإيجابي. ولذلك، فإنها ستحشد ضد القانون، وستقف في وجه إقراره بكل الطرق الممكنة.
ويبدو أننا أمام أزمة جديدة، بطلها هذه المرة قانون الانتخاب. ففي الوقت الذي ترفض فيه قوى حزبية مهمة في المعارضة القانون، هناك حديث عن رفض من قبل عدد من النواب للقانون، ولكن من منطلق آخر. فهؤلاء يرفضون القانون لإعطائه أكثر من صوت للناخب (صوتان للدائرة، وصوت للقائمة الحزبية)، ويدعون إلى تعديل ذلك، بحيث يعودون فيه بشكل أو بآخر إلى الصوت الواحد.
للأسف، لقد وضعت الحكومة نفسها في مأزق كبير! فبدلا من أن تمنح نفسها وقتا كبيرا لمناقشة القانون مع القوى السياسية والحزبية المجتمعية المؤثرة، حصرت نفسها في وقت ضيق، نتج عنه قانون يثير الاحتجاج أكثر مما يثير الإعجاب، ويلقى معارضة شديدة، ما يعيدنا إلى المربع الأول.
والعودة إلى المربع الأول فيها خطورة كبيرة؛ فهذا سيقلل، إلى درجة كبيرة، من حجم الإنجازات التي تحققت حتى الآن على صعيد الإصلاح، وبالتحديد التعديلات الدستورية. كما أنه سيعطي زخما جديدا للحراكات الشبابية والشعبية المعارضة، وسيثير علامات استفهام كبيرة حول توجهنا الإصلاحي.
هناك حاجة ماسة إلى تدارك الأمر؛ فالحوار ممكن حتى الآن مع القوى السياسية والحزبية والشخصيات الوطنية. ويمكن إجراء الحوار من خلال طريقين: أولا الحكومة، وثانيا مجلس النواب. ولا يجوز إهمال الحوار أو الابتعاد عنه تحت أي مبرر. فالحوار ممكن، وضروري للخروج من أزمة قد ندخلها، إذا ما أصرت الأطراف على مواقفها.

الغد