بسم الله الرحمن الرحيم



تقرير

عن رسالة لنيل دبلوم الماستر

تخصص القانون المدني و الأعمال

بكلية الحقوق - طنجة










الحماية القانونية للمستهلك في عقد التامين

دراسة تشريعية مقارنة

يوسف الزوجال



2008/2009

يرتبط القانون ارتباطا مستمرا بالتطورات التي يعرفها المجتمع على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، باعتبار أن الوظيفة الأولى للقانون في المجتمع هي المحافظة على الحياة الاجتماعية وتنظيم الحقوق والمراكز القانونية، لذلك نجده يضع مجموعة من القواعد الملزمة التي تضبط علاقات الأشخاص فيما بينهم و تحمي تصرفاتهم القانونية المبنية على حرية إرادتهم في إنشاء تلك التصرفات او حريتهم في التعاقد طبقا لمبدأ سلطان الإرادة. فبمقتضى هذا الأخير يكون « العقد شريعة المتعاقدين » وبالتالي فإن العقد المبرم يعتبر عقدا متوازنا وملزما لأطرافه.

غير أن هذا المبدأ ما فتئ يعرف تدهورا و تراجعا ملحوظا في المعاملات التجارية او المدنية خلال القرنين 18 و19م جراء اتساع رقعة روح الفردانية، و انتشار الصناعات الكبيرة التي جاء بها النظام الرأسمالي، بحيث سادت فكرة التمركز والاحتكار بفعل ظهور مؤسسات وشركات تجارية ضخمة تمتلك الإمكانيات المالية والاقتصادية مما جعلها في مركز قوة، نظرا لاعتمادها في سياستها على تقنية عرض عقود نموذجية تنفرد بتحديد شروطها وصياغة مضمونها دون أن تقبل أية مناقشة من الطرف الآخر الذي لايملك سوى الرضوخ أو الإذعان لها. ولذلك أطلق عليها اسم عقود إذعان.ولاشك أن مثل هذه العقود التي انتشرت في عصرنا الحالي المتميز بظاهرة استهلاكية محضة ودخلت في ضروريات حياتنا، مثل عقد الشغل، وعقد القرض، وعقد التأمين، وغيرها، يجعل لها أهمية تستدعي العناية بالبحث والتفصيل.ووعيا بأهمية هذا الموضوع وتعدد مجالاته، ارتأينا أن نركز على نموذج من عقود الإذعان المختلفة واقتصرنا فقط على مثال عقد التأمين.

إن موضوع حماية المستهلك في عقد التأمين على وجه التحديد لم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام من لدن الباحثين، إذ أن كل البحوث والدراسات الفقهية والأكاديمية المرتبطة بعقد التأمين تنصب معظمها على دراسته بشكل عام من حيث خصائصه وعناصره ودراسة بعض نماذجه، مثل التأمين الإجباري على السيارات، أو التأمين على الحياة، ومن هنا جاءت فكرة البحث التي تتمحور حول الوسائل القانونية والحمائية المتوفرة للمستهلك أمام الوضع المهيمن للطرف الآخر المهني، ومدى فعالية هذه الوسائل من الناحية النظرية والعملية.

وأول إشكال يتبادر إلى ذهن الباحث، هو وجود الكم الهائل من النصوص القانونية والتشريعية على مستوى القانون المدني، خصوصا فيما يتعلق بالرضائية والشكلية، وغيرها وبعض النصوص الخاصة المتناثرة مثل مدونة التأمينات الجديدة، ومذكرة التغطية الصحية… إلخ. فهل توفر هذه النصوص الحماية الكافية للمستهلك في العقد بصفة عامة، وفي عقد التأمين بصفة خاصة، علما أن المغرب لا يتوفر إلى حد الساعة على نص قانوني خاص بحماية المستهلك ؟

للإجابة على هذه الإشكالية، حاولنا الاعتماد على منهج تحليلي للقانون الوضعي المغربي والآراء الفقهية المختلفة وعلى ضوء المنهج المقارن لتحديد أوجه التشابه أو الاختلاف بين القانون المغربي والتشريعات الأجنبية الأخرى.وعليه، سنعالج هذه الإشكالية بالتطرق إلى الأحكام العامة للمستهلك في عقد التأمين باعتباره طرفا في العلاقة التعاقدية، بتناول نطاق وحدود الحماية القانونية له. من خلال الفصل الأول من هذه الدراسة، حاولنا القاء الضوء على مفهوم المستهلك في عقد التأمين باعتباره الحلقة الأساسية، والكلمة المفتاح، وإبراز النظريات الفقهية التي قيلت بهذا الصدد، مع تبيان المفهومين، الضيق والموسع للمستهلك، منفتحين على التشريعات المقارنة.

كما عملنا علاوة على ذلك، على توضيح وملامسةالمواضع التي يتخذها المستهلك في عقد التأمين، بحيث يمكن أن يكون المتعاقد فيه ليس فقط مكتتبا أو مؤمنا له أو مستفيدا، بل يكون أيضا طرفا ضعيفا ومذعنا له. و بالتالي يصبح ضحية اختلال العقد نظرا للتفوق القانوني والاقتصادي والفني للمهني في مواجهة المستهلك.

ووعيا بهده التطورات الاقتصادية و الاجتماعية حاول المشرع وضع ترسانة قانونية من أجل توفير الحماية القانونية للمستهلك ضد التعسفات التي قد يتعرض لها من طرف المهني. و هذا ما عملنا على إبرازه في الفصل الثاني من هذه الدراسة و ذلك بالتطرق إلى الحماية المباشرة و غير المباشرة للمستهلك في عقد التامين.

فالمقصود بالحماية المباشرة تلك المقررة في التشريع من خلال النصوص القانونية العامة، مثل نظرية عيوب الرضا، وبعض النظريات الأخرى كنظرية حسن النية، ونظرية الاشتراط لمصلحة الغير، إضافة إلى نظرية الإثراء بلا سبب، ونظرية التعسف في استعمال الحق …الخ و من خلال النصوص القانونية الخاصة نذكر على سبيل المثال قانون حرية الأسعار والمنافسة، وقانون زجر الغش في البضائع…الخ.

أما بالنسبة للحماية القانونية غير المباشرة، فهي تلك الحماية التي تدعى الحماية المؤسساتية، كمؤسسة القضاء، و بعض الأجهزة الإدارية ( وزارة المالية، واللجنة الاستشارية للتأمينات)، علاوة على فعاليات المجتمع المدني خصوصا الجمعيات.

يستفاد مما سبق، أن عقد التأمين يمتاز عن العقود العادية الأخرى نظرا لخصوصياتهّ، فالمستهلك باعتباره الطرف الضعيف في هذا العقد، يختلف عن أي متعاقد آخر. ومن خلال دراستنا لموضوع حماية المستهلك في عقد التأمين، نلاحظ أن المشرع المغربي قد نجح في إضفاء حماية قانونية معقولة للمؤمن له (المستهلك)، في مدونة التأمينات الجديدة.لكن غياب نص تشريعي خاص بحماية المستهلك في القانون المغربي، يدفعنا إلى القول، بأن النظريات العامة في القانون المدني، تبقى غير كافية لردع التعسفات التي يتعرض لها المستهلك فيما يخص خدمة التأمين.

ويرجع عجز هذه النظريات العامة، إلى كون المشرع المغربي يدافع عن فكرة ومبدأ سلطان الإرادة « فالأفراد كامل الحرية في أن يضمنوا عقودهم ما شاؤوا من الشروط، ويكون كل ما ترتب عن ذلك من آثار مصدرها الإرادة، وبالتالي لا يجوز لأحد المتعاقدين الاحتجاج بأن الاشتراطات التي وضعها الطرف الآخر تعسفية، وتخل بتوازن العقد لمصلحته المنفردة مادام قد رضي بها ووافق عليها عند التعاقد، وهو ملزم بتنفيذ العقد بما تضمنه من بنود ».

فالمقتضيات الخاصة بعقد التأمين كما نظمتها مدونة التأمينات الجديدة، وضعت الإطار العام للعلاقة العقدية بين المؤمن له (المستهلك) والمؤمن (المهني) لكن في الواقع يطغى عليها عدم التكافؤ على مستوى الواقع نظرا لقوة الثاني وضعف الأول.

وبما أن موضوع بحثنا انصب على دراسة النصوص التشريعية الحمائية، ومدى دور المؤسسات والأجهزة الأخرى في حماية المستهلك في عقد التأمين، فإن هذا يستوجب من جهتنا تقديم بعض التوصيات والاقتراحات من أجل تدارك التفاوت الحاصل بين ما هو نظري وبين ما هو واقعي عملي.

فمن أجل تحقيق الحماية الفعالة المنشودة في حماية المستهلك، يمكن تقديم بعض الاقتراحات نجملها في ما يلي :

- ضرورة تدخل المشرع المغربي بإصدار قانون خاص بحماية المستهلك.

- تفعيل المقتضيات القانونية المعمول بها حاليا، مع إدخال بعض التعديلات عليها، حتى تتلاءم مع روح التدابير المقررة لحماية المستهلك لمواكبة المستجدات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية.

- منح سلطات واسعة لمؤسسة القضاء، من أجل تحقيق العدالة والإنصاف.

- تبسيط المساطر القضائية وتمتيع كل المتعاقدين بالحق في المساعدة القضائية.

- إعطاء الأجهزة الإدارية مثل مجلس المنافسة سلطة تقريرية عوض الاكتفاء باختصاص استشاري.

- تفعيل وإعادة النظر في دور بعض المؤسسات مثل مؤسسة الحسبة والأمناء… إلخ.

- إدراج إلزامية شرط الكتابة في جميع الوثائق التي يبرمها المستهلك في عقد التأمين.

- استعمال اللغة العربية في صياغتها احتراما لمقتضيات الدستور.

- خلق أجهزة مواكبة لدور القضاء وتعزيز دوراللجنة الاستشارية للتأمينات ومنحها اختصاصا في مراقبة ومحاربة الشروط التعسفية.

- الاعتراف بأحقية الجمعيات في تمثيل المستهلك أمام القضاء، وإلغاء وحذف شرط المنفعة العامة.

- إشراك الجمعيات في وضع السياسات التي تهم مصلحة المستهلك واستشارتها قبل وبعد إصدار قانون حماية المستهلك باعتبارها إحدى الحلقات الأساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للبلاد.

- وضع لائحة لتحديد الشروط التعسفية بتنوير المستهلك على مستوى تكوين العقد وتنفيذه وتحديد نطاق المسؤولية المترتبة عن ذلك.

- خلق مراكز الاستقبال والاخبار، والاستشارة المجانية في كل قضايا الاستهلاك.

- تعميم حقوق المستهلك على مستوى الإعلام بنفس القدر فيما يتعلق بالإشهار التجاري.

- تعميم ثقافة استهلاكية على مستوى البرامج التعليمية والتربوية في المنظومة التعليمية كالمدارس والثانويات.

- إحداث وحدات أو شعب أو مراكز متخصصة بحماية المستهلك لتعزيز البحث العلمي والأكاديمي في هذا الإطار.

- إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة هدفها مراقبة الميدان الاستهلاكي، وتوحيد الأجهزة المتعلقة بمراقبة السوق.




http://rabitatanger.com/