عالج قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 الباب الثامن تحت عنوان "في الجنايات والجنح التي تقع على الإنسان" الفصل الأول البند رقم "2" تحت عنوان إيذاء الأشخاص، وذلك بالمادة "333" "كل من أقدم قصداً على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه بأي فعل مؤثر من وسائل العنف والاعتداء نجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل مدة تزيد على عشرين يوماً، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات".
تم بالمادة 334 فقرة "1" التي تقول إذا لم ينجم عن الفعل مرض أو تعطيل أو نجم عنها مرض أو تعطيل ولكن مدة أقل من عشرين يوماً يعاقب الفاعل بالحبس لمدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على خمسة وعشرين ديناراً أو بكلتا العقوبتين ثم بالفقرة "2" من نفس المادة أنه في حال كانت مدة التعطيل لا تزيد على عشرة أيام فتسقط الشكوى بتنازل المشتكي عن شكواه وتسقط دعوى الحق العام، ثم باقي المواد (335 و336 و337 و338) التي تنص على تشديد العقوبة في حالة بتر عضو أو عاهة دائمة أو إجهاض حامل أو إذا اشترك عدة أشخاص في مشاجرة ونتج عنه وفاة وتعذرت معرفة الفاعل.
كل الذي ذكرت هو بدهيات القانون الجنائي ولكن هذه الجريمة أصبحت لها تداعيات كبيرة جداً وأصبحت ظاهرة مقلقة لمختلف شرائح المجتمع الأردني لكثرة وقوعها وأماكن وقوعها وخاصة في الجامعات والتجمعات العامة وفي الشوارع وبين مستخدمي الطريق من السواقين .
أصبحت تسمى جرائم العنف الذي لم يعهده المجتمع الأردني منذ زمن بعيد، هذه الجريمة الظاهرة أصبحت لها عدة مظاهر تدل على أن مرتكبيها يعانون من فراغ روحي وضغوطات منها طبيعة النظام التعليمي والتفاوت في الدخل والتخلخل الطبقي وانهيار منظومة القيم والتقاليد والربيع العربي وضعف في إجراءات الضبط القضائي لهذه الجريمة والتهاون في تطبيق القانون بحيث أصبح لا يحقق الردع العام.
والحالة هذه، لا بد من معالجة هذه الظاهرة بالقانون والدقة في تطبيق القانون لتفويت الفرصة على قلة قليلة أباحت لنفسها شتم وإيذاء الآخرين لأنهم (أي المعتدين) أصبحوا يعرفون سلفاً نهاية هذه المشاجرات هي الصلح والتنازل عن الشكوى وبغرامة بسيطة.
المتبع حالياً بجرائم الإيذاء أن هناك معتدى عليه ومصاب فعلاً ويدخل المستشفى للضرورة وبالمقابل الطرف المعتدي في أغلب المشاجرات يدخل أيضاً المستشفى وغالباً ما يكون مستشفى خاصا ولا يخرج من المستشفى إلا بخروج الطرف المعتدى عليه المصاب حقاً والمتضرر من الجريمة وبعدها يحول أطراف المشاجرة من قبل المركز الأمني إلى المدعي العام بالتكييف القانوني المشتكي الحق العام والمشتكى عليهم جميع المشتركين في المشاجرة بغض النظر عن التقارير الطبية وقوتها ودرجة الإصابة وهنا تبدأ عملية المراهنة على الصلح "اسقط حقك بسقط حقي" وتنتهي حالة الاعتداء بظلم أحد الأطراف وهو المواطن المحترم الملتزم ويفقد القانون الغاية منه وهي الردع الخاص والردع العام.
ويلاحظ وبشكل واضح أن المحترمين هم ضحايا هذه الاعتداءات من طرف آخر مستهتر بالأنظمة والقوانين ينقصه التعلم والتعامل مع الآخرين لا في البيت ولا في المدرسة ولا في الجامعة وهذا يتكرر بشكل يومي فما هو الحل؟
بنظري وشخص تعامل مع العديد من هذه الجرائم من خلال عملي كضابط شرطة سابقاً ومحام حالياً لا بد من أن تعطي الشرطة الضابطة العدلية الاهتمام بهذه المشاجرات بالتحقيق الجدي والفعال لمعرفة من هو المسبب عن طريق الشهود وضبط أدوات الجريمة والتكييف القانوني الصحيح للجرائم بحيث لا يترك الحبل على الغارب لهؤلاء الذين أصبحوا يتفنون في إحضار التقارير الطبية ودخول المستشفيات الخاصة لخلق حالة قانونية موازية لفعله غير الأخلاقي وصولاً لحالة أسقط حقك بسقط حقي سنداً للقانون.
القضاء أيضاً مطلوب منه الاهتمام بهذا النوع من الجرائم التي تسمى الإيذاء ولكنها تطورت إلى عنف مجتمعي فلا يجوز توقيف المشتكى عليهما منذ البداية متناسين من هو المسبب، حجم الإصابة، ومكان المشاجرة أو الاعتداء، فهل يعقل أيها السادة أن شخصا يضرب أمام منزله وهو في ملابس النوم ويجرح ويكسر ويطلب توقيفه كون المعتدي حصل على تقرير طبي بسيط عبارة عن جروح وخدوش قد يكون هو افتعلها.
لا بد أخيراً من تعديل قانون العقوبات الأردني بحيث تكون النصوص أكثر دقة وشمولية وتراعي هذه التعديلات الثغرات الموجودة حالياً، حتى لو اقتضى الأمر بالمشرع الخروج على القواعد العامة للقانون خدمة للجميع والعدالة.
أهيب بالمحترم مدير الأمن العام إعطاء هذه الجرائم الوقت والأهمية بالتحقيق والاهتمام أيضاً بقضايا الاحتيال من بعضهم بخصوص افتعال حادث سير غير حقيقي أو حادث دعس غير حقيقي حيث أصبح لها أناس محترفون باختلاق هذا النوع من الجرائم، كما أنني أتمنى على قضائنا المحترم أن يفرد قضاةً متخصصين لهذا النوع من الجرائم.
* نائب سابق