الأردن والحرب على "داعش"



لم يصدر نفي رسمي أردني لما أوردته صحيفة "الشرق الأوسط"، يوم الجمعة الماضي، بشأن مساعٍ تحدثت عن أن تكون عشائر الأنبار قاعدة انطلاق لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذا ما تم تدريب أبناء هذه العشائر في الأردن، وفق ما ذكرت الصحيفة، إضافة إلى تدريب قوات من البيشمركة الكردية على عمليات مكافحة الإرهاب والتعامل مع التنظيمات الإرهابية، بخاصة وأنه سبق للأردن أن درب قوات من الجيش والشرطة العراقيين بعد الاحتلال الأميركي.
ومع التحالف الإقليمي والدولي ضد  تنظيم "داعش"، يعيد الأردن هيكلة أولوياته ومحدداته باتجاه أن يكون غرب العراق هادئاً وبأسرع وقت ممكن، ومحاولة استعادة تطلعاته، من جانب آخر، لإقامة علاقات إيجابية مع جاره الشرقي في ظل حكومة حيدر العبادي الجديدة، وبخاصة في مجال التواصل الاقتصادي والتجاري، والحصول على إمدادات نفطية بأسعار تفضيلية.
تشابك المجتمع العشائري بين الأردن والعراق، وبخاصة في محافظة الأنبار، معروف. والأردن يعتبر أنّ الاستثمار في علاقاته الإيجابية الوطيدة والتاريخية مع المجتمع العشائري السُنّي لجاره الشرقي، مسألة استراتيجية لا غنى عنها لاستقراره الاجتماعي وتأمين حدوده مع هذا الجار، في ظل إقليم يمور بالتصدعات والانفجارات والأزمات.
هذا الأساس الاستراتيجي يحضر اليوم بقوة مع ازدحام المبادرات والتحركات الإقليمية والدولية لمواجهة إرهاب تنظيم "داعش"، لاسيما أن عمّان على دراية واسعة بطبيعة التركيبة الديموغرافية والعشائرية على حدوده مع جاريه العراق وسورية، ما يجعله أكثر المؤهلين، بحكم تواصله التاريخي مع زعامات وشيوخ العشائر السُنّية في الأنبار وغيرها، للتنسيق والاستثمار في تلك العلاقات الوطيدة. ولعل الأردن أكثر المستعدين للمساهمة في هذه المواجهة؛ فمنذ بدأ الحراك السُنيّ الواسع في العراق، المناهض لسياسات التهميش والإقصاء التي اتبعها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بحق المكوّن السني طيلة السنوات الماضية، والأردن معنيّ بأخذ هذا الحراك في حساباته الاستراتيجية ومراجعاته للموقف إزاء جاره الشرقي.
موقف الأردن من إدانته للإرهاب ومحاربته واضح، والبلد يتحرك وفق هذا الوضوح. ولأنّ الإدارة الأميركية وسّعت دائرة استهداف تنظيم "داعش" لتشمل الأراضي السورية، ولأنها (أي الإدارة الأميركية) حذرت دمشق من الردّ على أي ضربات جوية تستهدف التنظيم في الأراضي السورية ولوّحت باستهداف المضادات الجوية السورية مؤكدة أنها تعرف مواقعها جيدا... فإن الأردن معني بالاحتياط لهكذا تحدٍ وتفاعل يجري بالقرب من حدوده مع الجارة الشمالية، على الرغم من أهمية التمييز في أن حرب واشنطن على "داعش" في سورية لا تعني أنها حرب لإسقاط النظام السوري، فالولايات المتحدة، بحسب الخبراء، قد تنتقد بقوة نظام بشار الأسد وتصفه بـ"غير الشرعي" أحياناً، لكنها تتعامل معه كـ"حكومة قانونية" ولم تصرّح بأي نية لإسقاطها. لا شك في أنّ الأردن معنيّ بهذه المقاربة الأميركية، ويتعامل معها بهدوء في سياق تفاعله في المعركة الإقليمية والدولية في الحرب على الإرهاب، وأحد عناوينه الكبيرة اليوم تنظيم "داعش".العرب اليوم