من الضروري أن يكون لدى الأردن قانون لإشهار الذمم، لأنه مفيد لاقتصادها ونظامها السياسي. ومثل هذا القانون والذي تمت المصادقة عليه مؤخرا من قبل مجلس النواب بعد الكثير من الجهد والعناء والنقاش المضني، لا بد وأنه نقطة رابحة لسياسيات الشفافية التي تحاول القيادة السياسية إدخالها إلى الأنظمة الحكومية في المملكة. ومن المؤكد أن هذا القانون سوف يعمل على قيادة الأردن إلى طريق التطور والنمو الاقتصادي الصحيح.
   وقد كان من سوء الحظ أن يمر مشروع هذا القانون بمراحل صعبة في البرلمان، ولكن على الأقل أعطاه أعضاء مجلس النواب المباركة والترحيب بعد أن حاولوا جاهدين التخلص منه. ولا بد أن ثائرة النواب سوف تثور علي عندما يسمعوني أقول ذات الشيء الذي نقلته عنهم الصحف اليومية وغيرها خصوصا في ضوء اتهام أعضاء مجلس النواب للصحافة بأنها كانت تحاول نقل أخبار خاطئة عنهم، فهم يقولون أنهم لم يحاولوا استثناء أعضاء المجلس من هذا القانون، إنما أخذوا وقتهم لدراسة مشروعه وكانوا يحاولون الحصول على توضيح أكبر له.
   وبغض النظر عن هذه النقاشات والمجادلات، فلا يستطيع أعضاء المجلس إنكار الحقائق الأولية حيث حاول النواب الأكارم استثناء أنفسهم من إشهار ذممهم المالية على الملأ. ومما لا شك فيه أن المسؤولين الرسميين سيحاولون فعل الشيء نفسه عندما يطبق القانون رسميا. ولكن وبسرعة، ويقول البعض أنه بعد التعرض للانتقاد الشعبي العام، غير النواب رأيهم ووافقوا على شملهم في قانون إشهار الذمم، وأوضحوا للجميع أن ليس لديهم أي مانع من قيام هيئة حكومية رسمية في حال تشكيلها بفحص وتفقد وإشهار ذممهم المالية.
   وهذا التشريع الجديد الذي يطلق عليه رسميا: قانون إشهار الذمم الإجباري، سوف يكون قانونا رائدا في مكافحة الفساد وسوء الإدارة، بالإضافة إلى كونه مسؤولا عن وضع المملكة على طريق الشفافية الاقتصادية والمالية. وهذه عوامل ضرورية في المصداقية والعقلانية المالية سواء الوطنية أو الدولية.
   والجدل المبدئي الذي حدث بين أعضاء مجلس النواب والحكومة حول ضرورة مراقبة مواردهم المالية يشير إلى المدى الذي يستعد النظام السياسي الأردني للوصول إليه من أجل إنشاء نظام مساءلة عامة بحيث يكون الجميع متساوين أمام القانون ولا يجوز لأي كان أن يعامل خارج هذا القانون. وهذا القانون سيكون بمثابة الحارس الذي سيقف في وجه التجاوزات المالية، سواء كانت تزييف أو اختلاس، وسوف يعمل على التأكد من أن الأوضاع المالية في القطاع العام وحتى في القطاع الخاص محسوبة وخاضعة للمراقبة العامة في جميع الأوقات.
   ومع أن القانون الجديد يصب في بوتقة المنفعة الاقتصادية، إلا أن إشهار الذمم قد يشير إلى مدى التصلب الذي قد يبديه ليس فقط المسؤولون الرسميون ولكن أيضا عامة الشعب في بداية تطبيق مثل هذه القوانين، ولكن عندما يعتادون عليها وعندما يصبح إشهار الذمم جزءا لا يتجزأ من نظام الحكم العام، يكون تقبلهم له أفضل وأسهل، لأنهم سيرون بأنفسهم فوائده على المملكة وعلى السمعة الجيدة التي تحصل عليها بلادهم إقليميا وعالميا.
   وربما يصح لنا أن ننصح الحكومة بإطلاق حملة عامة لتعريف المسؤولين والناس العادين بأهمية إشهار الذمم، لأن مثل هذا القانون يعود بفوائد جمة على المملكة خصوصا وأنه سيكون مسؤولا عن محاربة التجاوزات المالية أينما تقع.

الغد