هنالك الكثير من القضايا التي يمكن الحديث فيها فيما يتعلق بقانون الانتخاب الجديد الذي تستعد لجنة الحوار لإنهاء عملها بشأنه وتقديمه إلى الحكومة ليأخذ مساره الدستوري. وهنالك فسحة من الحوار يجب أن تكون أثناء المراحل المقبلة، سواء في الإعلام أو في مجلس الأمة أو أي وسيلة تواصل مع الناس، لكنني أتوقف اليوم عند قضيتين نسمع من أجواء اللجنة عنهما، ونتمنى أن لا يكونا في المخرجات النهائية لعمل اللجنة.
أول الأمور ما يتعلق بالعدد، ونقصد عدد أعضاء مجلس النواب الذي يضم اليوم 120 نائبا يقابلهم 60 عضوا في مجلس الأعيان. فهناك من يتبنى فكرة زيادة عدد مقاعد المجلس المقبل ليكون العدد الإضافي الطريق التي تهرب من خلالها اللجنة من بعض المطبات والمشاكل التي سيحملها النظام الانتخابي المقبل. لكن على اللجنة الكريمة أن تدرك أن أي قرار بزيادة العدد يعني تحميل الدولة مسارا نحن لسنا بحاجة إليه. فقد كانت الاتجاهات في فترة الحديث عن اللامركزية أن يتم تخفيض عدد مجلس النواب، كما أن الزيادة الطبيعية في السكان لا تجعلنا نرفع كل فترة عدد أعضاء المجلس، وبالتالي عدد أعضاء مجلس الأعيان. فقد كنا العام 1989 ننتخب 80 نائبا، واستمر الأمر فترة أخرى.
الأردن والأردنيون ليسوا بحاجة إلى مجلس نواب كبير العدد، بل ويزداد مع كل مجلس. ومشكلة مجالس النواب كانت في مسارات وسياسات أفقدتها الكثير من صورتها السياسية ومكانتها الشعبية. ومشكلتنا في غلبة معايير غير موضوعية في الاختيار، وانتشار ظواهر سلبية تخل بنزاهة الناخب والمرشح والحكومة، مثل شراء الأصوات. ولهذا، فإننا نتمنى على اللجنة أن لا تهرب إلى الحل الأسهل وهي تبحث عن نظام انتخابي جديد، وهو زيادة العدد الذي سيجعل هناك مجلسا لا نحتاجه وأكبر بكثير من حاجة الأردن وإمكاناته، هذا إذا تجاوزنا الأعباء المالية لمجلس واسع الامتداد كبير العدد.
80 نائبا أو 100 في الحد الأقصى رقم كبير لكن يمكن قبوله ليكون عدد أعضاء مجلس النواب، ولسنا بحاجة إلى 140 أو 150 نائبا ونصفهم من الأعيان. وإذا لم تستطع اللجنة إخراج واقتراح قانون انتخاب بكل توابعه ضمن عدد مناسب، فإننا نتمنى عليها أن لا تحمّل الدولة والناس والحياة السياسية أرقاما كبيرة لا نحتاجها في مجلسي النواب والأعيان.
أما الأمر الثاني فيتعلق بما نسمعه من اقتراحات للعودة إلى نظام انتخابات العام 1989 الذي كان يعطي لكل دائرة انتخابية حق التصويت بأصوات تساوي عدد المقاعد المخصصة لها. فهذا النظام يفتقد الى العدالة في القوة الصوتية لكل ناخب. فإذا كنت في دائرة لها خمسة مقاعد، فأنا أصوّت لخمسة أشخاص واختار خمسة نواب، وإذا كنت في دائرة لها ثلاثة مقاعد فأختار ثلاثة نواب؛ وهذا مناف للعدل بين الأردنيين في قوة الصوت.
هناك خلط يحدث أحيانا لدى البعض بين قانون انتخاب العام 1989 وبين الأجواء السياسية والحالة العامة التي جرت فيها الانتخابات. فالقانون لو جرت وفقه انتخابات في غير أجواء العام 1989 لما كان الموقف منه إيجابيا. وما نتمناه على اللجنة أيضا، وعلى الحكومة بعدها، أن لا تتبنى نظاما انتخابيا لم تكن ميزته فيه بل بالمرحلة السياسية. وهناك خيارات عديدة يمكن تبنيها من دون خسائر أو العودة إلى نظام لم يكن عادلا.

الغد