الغد:هديل غبّون
عمان- توافقت قيادات سياسية وحزبية، على ما أسمته "تردي" أداء حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور، فيما يخص إقرار حزمة جديدة من القوانين الناظمة للحياة السياسية، بل واعتبرها البعض صاحبة "الأداء الأسوأ" بين الحكومات خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة.
واسترجعت تلك القيادات، خلاصة مواقفها في حديثها لـ"الغد"، من تسلسل القرارات الحكومية خلال نحو عامين، وحجم المنجز التشريعي على مستوى "القوانين الاصلاحية"، حيث شكل "تخبط الحكومة وترددها" في حسم تقديم مشروع قانون انتخاب جديد، العنوان الأبرز لتشخيص الأداء الحكومي إصلاحيا.
ورأت هذه القوى، أن إقرار قانون يوسع "جرائم الإرهاب"، المتمثل بقانون منع الإرهاب، إلى جانب إقرار قانون أحزاب جديد (لم يقره مجلس النواب)، فرض مزيدا من القيود على العمل الحزبي، إضافة إلى سجل منجزات الحكومة "البعيدة عن الإصلاح".
ولعل "التخبط" الحكومي حيال قانون الانتخاب، شكّل المحطة الأبرز بالنسبة للقوى السياسية، التي ترى في القانون "أساس" العملية الاصلاحية، والرافعة الأساسية لإصلاح العمل الحزبي وتطوير العمل السياسي.
بالعودة لكتاب التكليف السامي لحكومة النسور، التي اعقبت الانتخابات النيابية في 9 آذار "مارس" 2013، فقد نص على "مواصلة جهود تنمية الحياة السياسية، وتطوير التشريعات الناظمة لها، لتشجيع المواطنين على الانخراط فيها، والارتقاء بالعمل الحزبي والنيابي".
كما تضمن كتاب التكليف الأول في 10 تشرين الأول "أكتوبر" 2012، للنسور، على توطئة وصفت بأنها "لتوضيح الوجهة الإصلاحية" للمرحلة المقبلة، تم التطرق فيها إلى منجزات التعديلات الدستورية والمحكمة الدستورية، ونقابة المعلمين وتأسيس الهيئة المستقلة للانتخاب، والتذكير بتلك المنجزات للاستمرار بنهجها.
في هذا الإطار، يعتقد د. لبيب القمحاوي، العضو المؤسس للجبهة الوطنية للإصلاح، التي يرأسها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، أن ثمة "صفقة تمت بين البرلمان والحكومة"، لتأجيل طرح مشروع "الانتخاب"، مشيرا الى أن الحكومة تعهدت بإنجازه، لكنها تراجعت عنه لاحقا.
ويرى القمحاوي، أن حكومة النسور قياسا بالحكومة التي سبقتها، اي حكومة فايز الطراونة، الذي يحسب على التيار المحافظ، "أداؤها جاء أسوا من سابقتها".
ويقول القمحاوي: "وضعتنا الحكومة أمام خيارين، طيلة الوقت، إما لا إصلاح، على قاعدة النسق الوطني، أو إصلاح، علينا القبول به، إذا كان على نسق الدولة".
ويرى أن الحكومة الحالية، لجأت إلى "أساليب الضغط والتهديد للتغاضي" عن الإصلاح الحقيقي، وقال "الدولة استعملت كل الامكانيات، من ضغط وعرض مناصب، حتى تستطيع أن تخرج بقبول الاصلاح الرسمي التجميلي وليس الحكومي".
وأضاف: "النسور برع في سياسة رفع الأسعار، واستطاع أن ينجز ما فشل به غيره .. حصيلة الاصلاح السياسي صفر، والحديث عن المناداة بالاصلاح، وليس الاصلاح".
لكن كتاب التكليف السامي لحكومة النسور تحدث بوضوح عن تكليفه "بوضع برنامج عمل للسنوات الأربع القادمة"، ما يعني بحسب مراقبين، أن أمام الحكومة المزيد من الوقت، لإنجاز ما تأخرت عنه للآن.
ويتفق إلى حد ما مع ذلك، أمين عام حزب التيار الوطني د. صالح ارشيدات، "على أن لا يكون التأخير حجة لعدم إجراء لقاءات بروتوكولية وتشاورات مع الأحزاب".
ويعزو ارشيدات تأخر الحكومة و"بطأها" في الدفع بحزمة الإصلاحات السياسية، إلى الانشغال بالملفات الإقليمية المحيطة، والمخاطر التي تحدق بغرب البلاد وشرقها وشمالها، على حد رأيه، مشددا على أن على الحكومة فتح حوارات، وإعطاء جرعات إيجابية تطمينية.
ورغم تأكيد ارشيدات على موقف حزبه المتقاطع مع الأحزاب الأخرى، في اعتبار تعديلات قانون الأحزاب "غير مرضية"، رأى بأن العمل على قانون الانتخاب للمرحلة المقبلة "مهم للغاية".
أما الحركة الإسلامية، وبوصفها القوة المعارضة الأكبر، فلم تر في تصريحات الحكومة بشأن قانون الانتخاب "المتذبذبة مفاجأة"، أو دافعا يدعو إلى الاستغراب.
يقول نائب المراقب العام للإخوان المسلمين زكي بني ارشيد "لا يصح أن نسمي حكومة النسور بالاصلاحية، ولايوجد ما يستحق الذكر... أداء الحكومة محافظ تقليدي، لم تقدم خطوات إصلاحية تذكر".
ويرى بني ارشيد أن قانون الأحزاب لا يشكل بالمطلق حجر زاوية في الإصلاح، ليصار الى الحديث عنه كمنجز حكومي إصلاحي، وأضاف "لايؤدي تعديل قانون الأحزاب إلى تطوير العمل السياسي، بل قد يؤدي إلى العكس، الأهم من ذلك هو قانون الانتخاب.. واضح أنه ليس من اختصاص الحكومات".
وبلا تردد يصف بني ارشيد بعجالة ملف الحريات في عهد حكومة النسور بـ"الرديء"، حيث لم تمض أسابيع على رفض الحكومة السماح لجبهة العمل الاسلامي بإقامة مؤتمره العام، في أحد المقرات العامة، خلافا لقانون الأحزاب، إلى جانب اعتقال وتوقيف عدد من نشطاء الحركة ومستقلين، على خلفية قضايا "متعلقة بأمن الدولة"، صدرت أحكامهم قبيل أسابيع أيضا تباعا، بعد محاكمات استمرت لعامين.
وقال بني ارشيد "سجل الحريات في عهد النسور رديء، وتم تفعيل وتوسعة مهام محكمة أمن الدولة بشكل غير مسبوق".
وفي السياق ذاته، أيد الأمين العام لحركة اليسار الاجتماعي د. محمد الكفاوين "تراجع مؤشر الحريات العامة، استنادا إلى استمرار إحالات النشطاء إلى أمن الدولة".
وقال "الحريات تراجعت بشكل لافت، تمثل ذلك بقمع المسيرات، واعتقال النشطاء واستمرار أمن الدولة، ولا ننسى مواجهات محافظة معان، التي وقع فيها قتلى وجرحى، ونفذت فيها اعتقالات، وهي الأزمة التي سبب مشاكلها الرئيسية الإهمالُ والفقر وانتشار البطالة وانعدام المشاريع الاستثمارية التنموية".
ووضع الكفاوين غياب تحويل أي مشتبه به في قضايا متعلقة بالفساد للقضاء ضمن مقاييس تقييم الأداء الحكومي، وقال "هناك إغلاق واضح لملفات الفساد... الحكومة تمادت أيضا بفرض الضرائب ورفع الأسعار.. وتآكلت المداخيل".
اتساع الفروقات الاقتصادية والاجتماعية بين الأردنيين، بحسب الكفاوين، زاد من حجم ما أسماه "الطبقة المسحوقة"، وتلاشي الطبقة الوسطى، فيما رأى أن استمرار "التبعية الاقتصادية والسياسية الرسمية"، وضعت حكومة النسور أمام تحديات واضحة، من بينها على حد تعبيره، الاكتفاء باستنكار العدوان الصهيوني على غزة.
وذهب الكفاوين في انتقاده للحكومة، باتهامها بـ"تدريب المعارضة التكفيرية السورية في الأردن"، رغم النفي المتكرر الرسمي لذلك.
وفي الشق الاصلاحي، يقول الكفاوين "الحكومة ماطلت بوضوح بتمرير القوانين الناظمة للحياة السياسية، كقانوني الانتخاب والأحزاب".
ويبدو أن تقييم القيادات الحزبية لأداء الحكومة تنمويا لم يكن إيجابيا أيضا، حيث نص أيضا كتاب التكليف الثاني للنسور، على الارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة للمواطنين، وتوزيع أكثر عدالة للمكتسبات وتركيز الجهود على تنمية المحافظات.
ويقول أمين عام الحزب الوطني الدستوري د. أحمد الشناق إن أزمة معان المفتوحة للآن خير مثال على ذلك، "تجاهلت الحكومة تنمية المحافظات، وتركت أزمة معان مفتوحة للآن.. أتحدى رئيس الحكومة القيام بزيارة لمعان".
وأضاف الشناق "الحكومة أمضت وقتا طويلا لتوطيد علاقتها بالنواب، وكانت منفصلة عن المواطنين، ولم تكن حكومة ميدانية، في بداية الأزمة السورية أعلنت الحكومة أن مناطق الشمال، هي مناطق منكوبة.. الان للأسف المؤسسات الأجنبية تعمل أكثر من الحكومة في تلك المناطق".
ويلفت الشناق مجددا إلى ما نصت عليه كتب التكليف الملكية للحكومة، بالحديث عن استمرار النهج الاصلاحي السياسي، وقال "الحكومة لم تأت على أي قانون ورد بالتكليف السامي، وأس العملية الاصلاحية هو الانتخاب، الحكومة دخلت في صفقة سياسية مع النواب، لتبقى سائرة مع البرلمان على حساب الاصلاح".
وكانت الحكومة اعلنت من أيار "مايو" الماضي موقفها علنا من قانون الانتخاب وترحيله، حيث قال وزير الشؤون السياسية والبرلمانية د. خالد الكلالدة إن "هناك معضلة أمام إنجاز قانون الانتخاب قبل العام 2017".
ودفعت تلك التصريحات الشناق للتساؤل ان كان هناك "صفقة أبرمت بين الحكومة والنواب" لتأجيل الانتخاب. وقال "ذهبت الحكومة إلى صفقة .. 14 في المائة من الشعب فقط شاركوا بالانتخابات السابقة، أما قانون الأحزاب فلم تلتق الحكومة أيا من الأحزاب للتشاور حوله، وجرت بعض المناكفات على النظام المالي".
لكن وزارة الشؤون السياسية أجرت بالمقابل، عدة لقاءات بين ممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني مع عدة مسؤولين في الحكومة، كما عقدت ملتقى هو الأول للتعريف بالأحزاب في الجامعة الأردنية في آذار "مارس" الفائت، وسط مقاطعة عدد من الأحزاب لم يكن من بينها "العمل الاسلامي".
وعن ذلك قال الشناق "من تجربتنا الطويلة، الحكومة تتحدث عن وجود حياة حزبية. الحكومة تفعل شيئا آخر.. لا جدوى من التعاطي مع العمل الحزبي، توافقت الأحزاب على ملامح أساسية لقانونها".
وزاد "الحكومة في واد والتعددية الحزبية بواد.. هذه حكومة مكتبية كل ما جرى لقاءات بروتوكولية".
في هذا السياق، يشرح أمين عام حزب الوحدة الشعبية د. سعيد ذياب، موقف حزبه، الذي انضم إلى صفوف المقاطعين للانتخابات، من أداء حكومة النسور، وقال "الأداء ليس مرهونا بأربع سنوات من برنامج عمل، بل بمؤشرات أساسية للإصلاح". وقال "لا يتوقف الحديث عند مهلة الاربع سنوات.. الصورة مختلفة تماما، هناك تباطؤ واضح أولا، واختلاف على المضامين في قوانين الاصلاح.. وهاهو قانون الأحزاب خرج بصورة غير مرضية، ولا نريد أن نستبق مخرجات قانون الانتخاب لكن الأصل التركيز مبدئيا على قاعدة التمثيل النسبي".
لكن ذياب يرى ان ما خرج به "الأحزاب" لا يبشر خيرا عند توقع مخرجات "الانتخاب"، وقال "العلاقة الايجابية لم تتجسد واقعا من خلال لقاءات حزبية مع الحكومة، فلم نسمع مثلا جوهر أزمة معان.. ولم نسمع أسباب تزايد معدلات الجريمة، أو تفاقم العنف المجتمعي، هذه كلها مؤشرات تصب في مسار تقييم اداء الحكومة سلبا".
وبشأن قانون الأحزاب، الذي لم يقره مجلس النواب حتى الان، فقد لقي مشروعه تحفظا من غالبية الأحزاب، ورفضا لكثير من بنوده، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات، ورهن إجراء التعديلات على الأنظمة الداخلية للأحزاب بموافقة لجنة سياسية وزارية مشتركة.
ورأى ذياب أن القانون أبقى على العناصر السلبية فيه.
وثبّت 27 حزبا سياسيا من أصل (34 حزبا مرخصا)، مواقفها من المبادئ الأساسية لقانوني الانتخاب والأحزاب المطلوبين، قبل إقرار المشروع الحكومي، وذلك بوثيقة وقعت عليها (باستثناء حزب الوحدة الشعبية) لمركز القدس للدراسات في 19 نيسان "ابريل" المنصرم، وقد دعت الوثيقة لزيادة المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية، إلى 50 %، وحصر القائمة بالأحزاب، على أن تتشكل من حزب واحد أو ائتلاف أحزاب، ويحق للحزب أن يرشح مستقلين على قائمته.
ويتفق نائب أمين عام الحزب الشيوعي فرج الطميزي في انتقاد التوسع في القيود المفروضة في قانون الأحزاب، خاصة فيما يتعلق ببنود العقوبات. وانسحب انتقاد الطميزي على وجود عقبات أمام دعم الأحزاب ماليا، ممثلة بالنظام المالي، كان آخرها التشدد بالرقابة على المخصصات السنوية للأحزاب وتأخر صرفها على البعض. وينتقد الطميزي بشدة السياسات الحكومية الاقتصادية التي "أرهقت الموازنة وزادت المديونية، على حساب التنمية الشاملة والاصلاح السياسي".
ويرى الحزب الشيوعي ان التقييم للأداء الحكومي "غير مرض على الاطلاق، فالازمة الاقتصادية تتعمق ولم تجد حلولا لها. وحملت في آن مؤشرات خطيرة جدا لأنها تلقي بظلالها على الحالة الاجتماعية والسياسية للمجتمع".
كما يرى الطميزي أن الاصلاح السياسي مرتبط بإصلاح القوانين الناظمة للحريات، وعلى رأسها "الانتخاب"، الذي قال إن الحكومة تعهدت بتقديمه "لكن المنفعة مع مجلس النواب أفضت إلى التأجيل". ويشدد ان العمل الحزبي الجبهوي "لا يتحقق إلا عبر قانون انتخاب ديمقراطي، يضمن وصول الأحزاب إلى البرلمان، لجانب قانون أحزاب متقدم".