قرار محكمة البداية رقم 876/2002 (قاضي منفرد) تاريخ 30/10/2002



1. اعتبرت المادة(41/ب) من قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته رئيس تحرير المطبوعة فاعلا اصليا في جرائم المطبوعات والنشر وبذلك افترضت قصده الجرمي وعلمه اليقيني بالمادة الصحفية التي تضمنتها الصحيفة مثل تفصيلاتها ومحتواها بمجرد نشر الخبر موضوع الجرم ايا كان قصده دون حاجة لاستظهار اركان الجريمة المنسوبة اليه وعناصرها ومعفية بذلك النيابة العامة من واجبها في اثبات العلم والارادة ونقلت عبء اثبات نفي الجرم على المتهم ، وحيث ان المادة (75) من قانون العقوبات اعتبرت فاعل الجريمة بانه من ابرز الى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة او ساهم مباشرة في تنفيذها ، كما اوضحت المادة (74) من ذات القانون انه لا يحكم على احد بعقوبة ما لم يكن قد اقدم على الفعل عن وعي واردة فان اعتبار رئيس تحرير الصحيفة فاعلا اصليا يوجب اثبات انه قام بنشر المقال موضوع الجريمة عن وعي وادارك وان ارادته اتجهت الى العدوان على حق يحيمه القانون ، اي انه ابرز الى حيز الوجود العناصر  التي تؤلف  الجريمة او ساهم في تنفيذها ، وان انتفاء اي ركن من اركان الجريمة ( المادي او المعنوي ) يوجب الحكم بالبراءة ، ولما كان القصد الجرمي في الجرائم القصدية يعتبر ركنا هاما فيها بحيث يتوجب على المحكمة ان تتحقق بنفسها في ضوء الادلة المطروحة امامها من ان المتهم كان مدركا لحقيقة الجرم ودلالته الجزائية ادراكا يقينيا لا افتراضيا ، ومن واجب المحكمة البحث من خلال استظهار عناصر الجرم عن قصد الفاعل وارادة ارتكاب الفعل بحيث تكون الافعال التي اثارها الفاعل ما هي الا تعبيرا خارجيا ماديا عن اردة واعية لا تنفصل عن النتائج التي احدثتها او على الاقل توقعت حدوثها ، وبناء عليه فان من واجب النيابة العامة تقديم الدليل على نسبة الفعل الى الفاعل في كل ركن من اركانها ولا يتصور في صحيفة تتعدد صفحاتها وتتزاحم مقالاتها وتتعدد مقاصدها ان يكون رئيس التحرير محيطا وملما بجميع مقالاتها نافذا الى محتوياتها ممحصا بعين ثاقبة كل جزيئاتها او ان يزن كل عبارة تضمنتها مقالات الصحفية مفترضا سوء النية فيها . وعلى ذلك فان تحديد النص القانوني الواجب التطبيق على وقائع الدعوى ، هل هو المادة (41/ب) من قانون المطبوعات والنشر التي افترضت المسؤولية الجزائية على رئيس التحرير ام تطبيق احكام المادتين (74و75) من قانون العقوبات اللتين لا تجيزا الحكم على احد ما لم يكن قد اقدم على الفعل عن وعي وارادة وابرز الى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة او ساهم مباشرة في تنفيذها . واوضحت المادة (103) من الدستور ان المحاكم تمارس اختصاصها في القضاء الحقوقي والجزائي وفق احكام القوانين النافذة المفعول في المملكة ، وقد حدد قانون العقوبات الساري المفعول مجموعة النصوص التي تنظم حق الدولة في العقاب فبين الافعال المجرمة وعقوبة من يقترفها كما حدد اركان وعناصر الجرم الجزائي بشكل عام ، كما حدد قانون اصول المحاكمات الجزائية القواعد والاجراءات التي تبين كيفية تطبيق قانون العقوبات في اثبات ووقوع الجريمة وتوقيع الجزاء على مرتكبها ، وحيث ان قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية هما سياج امان المجتمع والفرد فهما يوصلان المجتمع الى اقتضاء حقه في عقاب من اخل بأمنه ونظامه ويحققان في الوقت ذاته للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه ودرء التهمة المنسوبة اليه وبذلك فان قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية بمثابة الدستور الذي يمارس القضاء الجزائي مهامه من خلالهما باعتبار مجموعة القواعد التي تعكس مضامينها نظاما متكامل الملامح يتوخى بالاسس ويحول بضماناته دون اساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن اهدافها ، وحيث ان القانونين ينتميان الى القانون العام للدولة الامر الذي يعني ان غالبية قواعدها تتعلق بالنظام العام وان مخالفة تلك القواعد تبرر لكل ذي مصلحة ان يدفع بذلك في اية مرحلة كانت عليها الدعوى كما ان من واجب المحكمة اثارة ذلك من تلقاء نفسها . وحيث ان الفقرة (ب) من المادة (41) من قانون المطبوعات والنشر تخالف القواعد العامة المقررة بموجب القوانين الجزائية النافذة المفعول والتي اشارت اليها المادة (103) من الدستور الامر الذي يجعل هذه الفقرة غير دستورية ، كما ان افتراض توافر القصد الجرمي في جرائم المطبوعات والنشر المقامة على رئيس التحرير يشكل اخلالا بالحدود التي تفصل بين ولاية ومهام كل سلطة من سلطات الدولة المقررة بموجب الدستور ذلك ان الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية في مجال تحديد الجرائم وتقرير عقوبتها لا يمنع المحاكم من القيام بمهمتها الاصلية في مجال التحقق من قيام اركان الجريمة وعناصرها الامر الذي يجعل مباشرة اي سلطة لمهام هي في الاصل من اختصاص السلطة القضائية يجعل عملها هذا مخالفا للمبدأ الدستوري القائم على الفصل بين السلطات ومخالفا للمادة (101/1) من الدستور التي اعتبرت المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها ، كما ان الاستثناء الوارد في المادة (41/ب) من قانون المطبوعات يشكل مساسا بمبدأ المساواة المقرر بمقتضى المادة(6/1) من الدستور الذي اعتبر الاردنيين امام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات ، وذلك عندما نقلت المادة (41/ب) عبء اثبات نفي التهمة المنسوبة لرئيس التحرير على عاتقه  . وان البحث في دستورية النص القانوني في امر يتعلق بالنظام العام فان من واجب المحكمة من تلقاء نفسها الامتناع عن تطبيق النص القانوني المخالف للدستور باعتبار الدستور اسمى القوانين ، وعلى ضوء ما تقدم فان للمحكمة ان تمتنع عن تطبيق الفقرة (ب) من المادة (41) من قانون المطبوعات والنشر والرجوع الى القواعد العامة في قانون العقوبات والبحث في توافر اركان وعناصر الجريمة المسندة لرئيس تحرير الصحيفة .

2. ان التحقيق الصحفي بموضوع يتعلق بالصالح العام لا يخرج عن كونه واجبا قانونيا تقتضيه المصلحة العامة على اعتبار ان للصحافة دورا اجتماعيا هاما في نشر الثقافة والعلوم والاخبار والاحصاءات التي تهم المواطنين من مصادرها المختلفة وتحليلها وتداولها ونشرها والتعليق عليها وفق ما تقتضيه المادة (6) من قانون المطبوعات والنشر ، ولا يمكن اعتبار نشر التحقيق الصحفي عن القضاء خارجا عن حدود سلامة النية التي تبرر استثناء الناشر من المؤاخذة وفق ما تقتضيه احكام المواد (198 و199) من قانون العقوبات طالما لم يرد ضمن بينة النيابة ما يثبت عكس تلك القرينة .

3. اذا كانت العبارات التي تضمنها التحقيق الصحفي كانت ضمن صحيفة تحوي العديد من الصفحات والمقالات والاخبار وهي صحيفة يومية تصدر يوميا بهذا الحجم ولم تكن العبارات المشكو منها ضمن العناوين البارزة التي تفترض برئيس تحرير الصحيفة ملاحظتها وانما تثبت بكلمات صغيرة ضمن تحقيق ولقاءات فيكون ما افاد به الظنين من عدم الاطلاع على التحقيق قريب الاحتمال ويجعل الشك يخيم على مسؤولية الظنين - رئيس التحرير - عن الجرم المسند له ويجعل الركن المعنوي للجرم غير متوفر .

4. اوجبت المادة الخامسة من قانون المطبوعات والنشر احترام الحقيقة وعدم نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الانسان وقيم الامة العربية والاسلامية ، ويمتنع على الصحافة كتابة او نشر اية اخبار او معلومات تشكل ذما او قدحا او تسيء للغير ، وحيث ان العبارات التي تضمنها التحقيق الصحفي يشكل قدحا وذما للقضاء وتضمن عبارات غير صحيحة مما يوفر اركان جرم مخالفة المادة الخامسة من قانون المطبوعات والنشر .

5. ان عدم ورود رد من الجهة التي تعلق التحقيق الصحفي بها حول تصحيح العبارات غير الصحيحة التي تضمنها المقال وعدم امتناع الصحيفة عن نشر التصحيح فيما لو رد لا يوفر مخالفة احكام المادة (27) من قانون المطبوعات والنشر . ولا يكفي لاثبات صدور العبارات التي تضمنها التحقيق الصحفي والتي تشكل ذما وقدحا عن كاتب المقال ما ورد بالمقال طالما لم يرد ما يثبت ذلك امام انكار الظنين بان تلك الاقوال صادرة عنه .